للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية حينئذ على الخصوص فيما خصّ منها، وسائر ذلك على العموم.

وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفا - مما عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيّهم صلى الله عليه وسلم عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنّها وحليتها - رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى ذلك مخطئين، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر - إذ أمروا بذبحها بقوله: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧]، فذبحوها - كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك مؤدّين، وللحق مطيعين، إذ لم يكن القوم حصروا على نوع من البقر دون نوع وسنّ دون سنّ.

ففي إجماع جميعهم على ما روينا عنهم من ذلك - مع الرواية التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموافقة لهم (١) - دليل واضح على صحة قولنا في العموم والخصوص، وأن أحكام الله جل ثناؤه في آي كتابه - فيما أمر ونهى - على العموم، ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم له. وأنه إذا خصّ منه شيء، فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر، وسائر حكم الآية على ظاهرها العام - ومؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك، وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه. اه‍ (٢).

وقال في موضع آخر مقررا هذه القاعدة في معرض ترجيحه بها: فكذلك كل مبهمة في القرآن، غير جائز رد حكمهما على المفسّرة قياسا؛ ولكن الواجب أن يحكم لكل واحدة منها بما احتمله ظاهر التنزيل، إلا أن يأتي في بعض ذلك خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بإحالة حكم ظاهره إلى باطنه، فيجب التسليم حينئذ لحكم الرسول، إذ كان هو المبين عن مراد الله. اه‍ (٣).


(١) والرواية التي أشار إليها هي من مراسيل قتادة.
قال الطبري: حدثنا بشر، قال حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنما أمر القوم بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم، والذي نفس محمد بيده، لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد».
(٢) جامع البيان (١/ ٣٤٨ - ٣٤٩).
(٣) جامع البيان (٢/ ٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>