للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقراءة أبي بن كعب في هذه الآية: (فعدة من أيام أخر متتابعات) (١).

ومستند من قال بعدم وجوب التتابع هو ظاهر كتاب الله - تعالى - فقد أطلق - سبحانه - وجوب صيام هذه الأيام دون أن يقيدها بقيد، أو شرط‍، أو زمان.

وهذا القول هو الصواب الذي تضافرت الأدلة على ترجيحه، وهو الذي ترجحه هذه القاعدة؟ وذلك أن الله - تعالى - أطلق في وجوب صيام عدة ما أفطر ولم يقيدها بتتابع، وهذا يدل على عدم اشتراط‍ التتابع فيها، ولم يرد بقيد التتابع نص من كتاب الله، ولا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء، ولا إجماع على تقييده منعقد ولا يجوز تقييد النصوص المطلقة إلا بدليل يدل على ذلك، ولا دليل هنا يصلح لذلك، فوجب حمل الآية وتفسيرها على إطلاقها دون قيد، والعمل بمقتضى ذلك الإطلاق. وهذا هو مذهب جماهير العلماء من المتقدمين والمتأخرين.

قال الحافظ‍ ابن كثير مصححا هذا القول: وهذا قول جمهور السلف والخلف، وعليه ثبتت الدلائل. اه‍ (٢).

وعلى ترجيح هذا القول جرت أقوال أئمة التفسير (٣).

ومما يؤيد هذه القاعدة فيما رجحته في هذا المثال قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا} [البقرة: ١٨٥] بعد قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} فهذه قرينة في الآية تدل على أن هذه الأيام الأخر مقصود فيها اليسر «فكل ما كان أيسر عليه فقد اقتضى الظاهر جواز فعله، وفي إيجاب التتابع نفي اليسر وإثبات العسر، وذلك منتف بظاهر الآية» (٤)، ومستندهم في إيجاب التتابع تعليل لا يصلح


(١) رواها مالك في الموطأ، كتاب الصيام، أثر رقم (٤٩) عن مجاهد، وذكرها الجصاص في أحكام القرآن (١/ ٢٥٩).
(٢) تفسير القرآن العظيم (١/ ٣١٢).
(٣) انظر أحكام القرآن للجصاص (١/ ٢٥٨)، وأحكام القرآن للهراسي (١/ ٦٦)، وأحكام القرآن لابن العربي (١/ ١١٢)، والجامع لأحكام القرآن (٢/ ٢٨٢)، ومحاسن التأويل (٣/ ٤٢٧) وغيرها.
(٤) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٢٥٨)، وانظر التمهيد لابن عبد البر (٢/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>