للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون مقيدا لإطلاق الآية، وما وجب التتابع في الأداء وهو رمضان إلا لضرورة أدائه في الشهر، وأما بعد انقضاء رمضان فالمراد صيام أيام عدة ما أفطر؛ ولهذا قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} (١).

وأما قراءة أبي بن كعب فهي قراءة مخالفة لسواد مصاحف المسلمين، فلم يثبتها الصحابة في المصاحف، وقد اجتمعت الأمة في قراءة هذه الآية على خلاف قراءته، فهي قراءة شاذة، والشاذ لا يعارض الثابت والمتواتر، ولا يصلح أن يكون مقيدا لإطلاق الآية، إضافة إلى ما عارضها من وجوه الترجيح الأخرى، وقد سبق في قاعدة «معنى القراءة المتواترة أولى بالصواب من معنى القراءة الشاذة» بيان بعض ذلك.

وفوق ذلك ما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقطت (متتابعات) (٢)، فهو - إن صح - يدل على أنها نزلت أولا ثم نسخت، فكانت قراءة أبيّ على ما كان أولا من الوجوب، فلا دلالة فيها على وجوب التتابع؟ لأنها منسوخة (٣).

ومما يشمله الإطلاق في هذه الآية الزمان، فلم توقت هذه الأيام بوقت معين، «فدل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظ‍ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض» (٤)، ولم يجئ عن الله ولا عن رسوله ولا إجماع على تقييدها بأيام لا تجزيء في غيرها (٥)، وهذا يردّ قول من أوجب على من أفطر يوما من رمضان لعذر أن يصوم الثاني من شوال، فإن ترك صيامه فقد أثم وفرط‍ (٦).


(١) انظر تفسير ابن كثير (١/ ٣١٢).
(٢) أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الصيام، باب القبلة للصائم (٢/ ١٩٢). والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصيام، باب قضاء شهر رمضان (٤/ ٢٥٨).
(٣) انظر فتح الباري (٤/ ٢٢٣).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٢٨٢).
(٥) مدارج السالكين (١/ ٣٨٣).
(٦) وبه قال داود الأصفهاني، انظر أحكام القرآن للجصاص (١/ ٢٦٣)، والجامع لأحكام القرآن (٢/ ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>