للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك؛ لأن الأمر المجرد من القرائن يقتضي الوجوب إلا أن يدل دليل على أنه للندب والإرشاد، ولا دليل هنا يدل على أن الأمر في قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ} للندب والإرشاد لا من خبر الله - تعالى -، ولا من خبر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا كان ذلك إجماعا من الأمة.

قال الإمام الطبري: وأرى أن المتعة للمرأة حق واجب، إذا طلقت، على زوجها المطلّقها - على ما بينا آنفا - يؤخذ بها الزوج كما يؤخذ بصداقها، لا يبرئه منها إلا أداؤه إليها أو إلى من يقوم مقامها في قبضها منه، أو ببراءة تكون منها له، وأرى أن سبيلها سبيل صداقها وسائر ديونها قبله، يحبس بها إن طلقها فيها، إذا لم يكن له شيء ظاهر يباع عليه، إذا امتنع من إعطائها ذلك.

وإنما قلنا ذلك؛ لأن الله تعالى ذكره قال: {وَمَتِّعُوهُنَّ،} فأمر الرجال أن يمتعوهن، وأمره فرض، إلا أن يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والإرشاد، لما قد بينا في كتابنا المسمى ب‍ (لطيف البيان عن أصول الأحكام)، لقوله: {وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}

[البقرة: ٢٤١]. ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يبرأ الزوج مما لها عليه إلا بما وصفنا قبل، من أداء أو إبراء على ما قد بيّنّا. اه‍ (١).

وقال القرطبي: والقول الأول أولى؛ لأن عمومات الأمر بالإمتاع في قوله:

{وَمَتِّعُوهُنَّ،} وإضافة الإمتاع إليهن بلام التمليك في قوله: {وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ}

أظهر في الوجوب منه في الندب. اه‍ (٢).

وعلى ترجيح هذا القول جرت أقوال كثير من أئمة التفسير (٣).


(١) جامع البيان (٥/ ١٣٢ - ١٣٣) تحقيق: شاكر.
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٠٠).
(٣) انظر أحكام القرآن للجصاص (٢/ ١٣٧ - ١٣٨)، وأحكام القرآن للهراسي (١/ ٢٠٢)، ومفاتيح الغيب (٦/ ١٤٩)، والبحر المحيط‍ لأبي حيان (٢/ ٥٣٠)، وفتح القدير (١/ ٢٥٢) والسيل الجرار (٢/ ٢٨٣)، وفتح البيان (٢/ ٤٦)، وأضواء البيان (١/ ٢٨٢ - ٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>