للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يأتي بعد قاعدة: «المحدث عنه» قاعدة: «توحيد مرجع الضمائر»؛ لأنها أكمل من قاعدة: «إعادة الضمير إلى أقرب مذكور» في جانب تناسق النظم وبيان وجوه الإعجاز فيه.

وقد قرر الأئمة هذا الترجيح بين هذه القواعد عند تنازعها، فالضمير يعود إلى أقرب مذكور بشرط‍ أن يكون متحدثا عنه (١)، وما لم يكن في ذلك تشتيت للضمائر في السياق الواحد.

قال أبو حيان - مقررا هذا الترجيح بين هذه القواعد عند تنازعها المثال الواحد -:

ولقائل أن يقول إن الضمير إذا كان صالحا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد كان عوده على الأقرب راجحا، وقد نص النحويون على هذا … والجواب أنه إذا كان أحدهما هو المحدث عنه والآخر فضلة كان عوده على المحدث عنه أرجح، ولا يلتفت إلى القرب (٢) اهـ‍.

وقال في موضع آخر: ولا يترجح بالقرب إلا إذا تساويا من حيث المعنى، والإنسان هنا -[أي في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (٦) [العاديات: ٦]]- هو المحدث عنه والمسند إليه الكنود، وأيضا فتناسق الضمائر لواحد مع صحة المعنى أولى من جعلها لمختلفين، ولا سيما إذا توسط‍ الضمير بين ضميرين عائدين على واحد. اهـ‍ (٣).

وذكر الزركشي هذا الترجيح بين هذه القواعد عند التنازع، وقرر أن الضمير يعود إلى القريب ولا يرجع إلى ما قبله إلا بدليل، وذكر من الأدلة أن يكون البعيد هو المحدث عنه (٤).


(١) انظر الأشباه والنظائر لابن السبكي (٢/ ٢٣٦).
(٢) البحر المحيط‍ (٧/ ٣٣٠).
(٣) البحر المحيط‍ (١٠/ ٥٣٠)، وانظر دراسات لأسلوب القرآن لعضيمة (ق ٣ ح ١ ص ١٥).
(٤) انظر البحر المحيط‍ في أصول الفقه (٣/ ٣٢٥)، والبرهان (٤/ ٣٩)، وبمثل هذا قال السيوطي في همع الهوامع (١/ ٢٢٧). أي: جعل من الأدلة التي تصرف الضمير عن القريب إلى البعيد كونه محدثا عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>