للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام الطبري بعد أن ساق الآثار عن الشعبي وابن زيد: ف‍ «من» من قوله:

{وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (٦٤) على هذا التأويل الذي ذكرناه عن الشعبي نصب عطفا على معنى «الكاف» في قوله: {حَسْبُكَ اللهُ} لا على لفظه؛ لأنها في محل خفض في الظاهر، وفي محل نصب في المعنى؛ لأن معنى الكلام يكفيك الله، ويكفي من اتبعك من المؤمنين. اه‍ (١).

الثالث: أن تكون «من» في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الكلام، تقديره:

ويكفي من اتبعك من المؤمنين.

فالمعنى: فإن الله يكفيك ويكفي من اتبعك من المؤمنين (٢).

الرابع: أن تكون «من» في موضع رفع بالابتداء، أي: ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله. فيكون من عطف الجمل (٣).

وهذه الأوجه التي سبق ذكرها متفقة مع هذه القاعدة، ومتمشية مع الصحيح في معنى الآية، ولا تعارض أدلة شرعية، وإن وجد تقديم لبعضها على بعض من جهة الصناعة. كالذي يقال في القول الأول بأنه من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، وهو وإن كان جائزا في أصح القولين؛ لكنه قليل، وإعادة الجار أحسن وأفصح (٤).

ونحو ذلك من الاعتراضات على بعض الأقوال من جهة الصناعة فقط‍. أما من جهة المعنى فجميعها صحيح، وليس هذا هو ما أردت بيانه في هذا المثال، إنما أردت بيان ضعف القول الخامس الذي قال به بعض العلماء لمخالفته سياق الآية وبعض أدلة الشرع، وهذه القاعدة تضعفه.


(١) جامع البيان (١٠/ ٣٧).
(٢) انظر معاني القرآن للزجاج (٢/ ٤٦٨)، وإملاء ما من به الرحمن (٢/ ١٠).
(٣) انظر مشكل إعراب القرآن (١/ ٣١٩)، والبيان لابن الأنباري (١/ ٣٩١)، وأضواء البيان (٢/ ٤١٨).
(٤) انظر منهاج السنة (٧/ ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>