أخرجك ربك (١). هذا نص قوله في هداية مكي - رحمه الله - والعبارة بقوله: امض لأمرك ونفل من شئت، غير محررة، وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال: إن هذه الكاف شبّهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة. فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم ههنا للخروج، وحكم الله في النفل بأنه لله وللرسول دونهم هو بمثاية إخراجه نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع الله، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله:«يجادلونك» كلاما مستأنفا يراد به الكفار، أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها، كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان.
قال القاضي أبو محمد:
وهذا الذي ذكرت من أن يجادلونك في الكفار منصوص.
والقول الثاني: قال مجاهد والكسائي وغيرهما: المعنى في هذه الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتل كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون هم.
قال القاضي أبو محمد:
والتقدير على هذا التأويل يجادلونك في الحق مجادلة ككراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهية وكذلك وقع التشبيه في المعنى، وقائل هذه المقالة يقول: إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول: إن المجادلين هم المشركون، فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن
(١) انظر معاني القرآن (١/ ٤٠٣) ونص عبارته: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ على كره منهم، فامض لأمر الله في الغنائم كما مضيت على مخرجك وهم كارهون.