للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القول هو الذي ترجّحه هذه القاعدة، وتقضي به؛ لأن الحكم إذا دار بين النسخ والإحكام فالقول بالإحكام مقدم؛ «ولأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع، فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ» (١).

ولا دليل لمن ادعى النسخ يحكم به، وليس القتل نقيضا للمن والفداء، فالعمل بالجميع ممكن حسب ما يرى الإمام من المصلحة، وهذا القول الذي رجحته هذه القاعدة هو ما اختاره ورجحه أئمة التفسير.

قال الإمام الطبري - مرجّحا بهذه القاعدة، بعد أن ذكر الأقوال في تفسير الآية -:

* والصواب من القول عندنا في ذلك أن هذه الآية محكمة غير منسوخة، وذلك أن صفة الناسخ والمنسوخ ما قد بيّنا في غير موضع في كتابنا إنه ما لم يجز اجتماع حكميهما في حال واحدة، أو ما قامت الحجة بأن أحدهما ناسخ الآخر، وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المنّ والفداء والقتل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإلى القائمين بعده بأمر الأمة، وإن لم يكن القتل مذكورا في هذه الآية، لأنه قد أذن بقتلهم في آية أخرى، وذلك قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}

[التوبة: ٥]، بل ذلك كذلك، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك كان يفعل فيمن صار أسيرا في يده من أهل الحرب فيقتل بعضا ويفادي ببعض، ويمن على بعض مثل يوم بدر قتل عقبة بن أبي معيط‍ وقد أتي به أسيرا، وقتل بني قريظة وقد نزلوا على حكم سعد (٢) وصاروا في يده سلما، وهو على فدائهم، والمنّ عليهم قادر، وفادى بجماعة


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٦/ ٢٢٨).
(٢) هو: سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي الأنصاري، سيد الأوس، شهد بدرا، ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا حتى حكم في بني قريظة وأجيبت دعوته في ذلك، اهتز عرش الرحمن لموته، توفي سنة خمس من الهجرة، الإصابة (٣/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>