للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لا يستدل به على شيء، وهو مذهب مالك، والشافعي، ووجهه أنه لما لم يذكره إلا لكونه قرآنا، فبطل كونه قرانا بطل من أصله، فلا يحتج به على شيء، وقال بعض أهل العلم: إذا بطل كونه قرآنا لم يمنع ذلك من الاحتجاج به كأخبار الآحاد، التي ليست بقرآن.

فعلى القول الأول: فلا إشكال، وعلى الثاني: فيجاب عنه بأن القراءة المذكورة تخالف القراءة المجمع عليها المتواترة، وما خالف المتواتر المجمع عليه إن لم يمكن الجمع بينهما فهو باطل، والنفي والإثبات لا يمكن الجمع بينهما؛ لأنهما نقيضان. اهـ‍ (١) ولبعض العلماء توجيه آخر لهذه القراءة الشاذة، ومنهم الفراء، والطبري. فقالوا: إن «لا» التي مع «أن» صلة في الكلام (٢). فحملوها على القراءة المشهورة.

وقد ضعف أبو بكر بن العربي هذا التوجيه فقال: وهذا ضعيف من وجهين:

أحدهما: أنّا قد بينا في مواضع أنه يبعد أن تكون «لا» زائدة.

الثاني: أنه لا لغويّ، ولا فقيه يعادل عائشة - رضي الله عنها - وقد قررتها غير زائدة، وقد بينت معناها، فلا رأي للفراء ولا لغيره. اهـ‍ (٣) وذلك في ردّها لقول عروة بن الزبير حين قال لها: أرأيت قول الله تعالى: {* إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما}

[البقرة: ١٥٨] فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة. قالت: «بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلّل، فكان من أهلّ يتحرّج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك قالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا نتحرّج أن


(١) أضواء البيان (٥/ ٢٤٨ - ٢٤٩).
(٢) انظر المعاني (١/ ٩٥)، وجامع البيان (٢/ ٥١)، ونقله ابن حجر في الفتح (٣/ ٥٨٣) عن الطبري، والطحاوي.
(٣) أحكام القرآن (١/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>