للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو قول غيرهم إن رسم المصحف اصطلاحي (١)، ووجه دلالته على القاعدة أن الصحابة قد أجمعوا عليه، فقد كتبه الكتبة، وأقرّه عثمان وبقية الصحابة (٢) - رضي الله عنهم جميعا -، وأن ذلك لم يكن من الكتبة كيف أتفق، بل على أمر عندهم قد تحقق، فقد كانوا عالمين بأصول الكتابة والإملاء - إضافة إلى علمهم بتفسيره -، ومما يدل على ذلك كتابتهم المصحف على الذي يعلّله النحويون في ذوات الواو، والياء، والهمز، والمد، والقصر، فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالواو، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنا، نحو «الخبء»! و «الدفء» ونحوها.

ومما يدل على ذلك - أيضا - المخالفة بين النظائر بالحذف والإثبات، والزيادة، والنقصان، كإطباق القراء على إثبات الياء في: {وَاخْشَوْنِي} من قوله تعالى:

{فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (١٥٠) [البقرة: ١٥٠].

وحذفها في الموضعين في المائدة في قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائد: ٣] وفي قوله تعال: {فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً} [المائدة: ٤٤].

والمخالفة بين {كِتابِيَهْ} (١٩) و {حِسابِيَهْ} (٢٠) وهما سواء، في قوله تعالى:

{هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ} (٢٠) [الحاقة: ١٩ - ٢٠]، فهذا كله يدل على أن الصحابة كانوا عالمين بالعربية، وبقواعد الكتابة (٣).


(١) في هذه المسألة خلاف بين العلماء، فمنهم من يقول إن رسم المصحف توقيف، ومنهم من يقول إن رسمه اصطلاح. انظر الأقوال بأدلتها في مناهل العرفان (١/ ٣٧٧)، وتاريخ القرآن للكردي ص ١٠١، والمدخل لأبي شهبة ص ٣٠٨، ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص ١٤٧، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص ٢٧٥. وانظر الكشاف (٤/ ٢٣٠ - ٢٣١)، والمرشد الوجيز ص ١٧٣، وتفسير ابن كثير (٦/ ٢٦٨)، وإيقاظ‍ الأعلام لوجوب متابعة رسم المصحف الإمام لحبيب الشنقيطي ص ١٠.
(٢) انظر الإبانة لمكي ص ٢٢، ومناهل العرفان (١/ ٣٧٨)، والتحرير والتنوير (١/ ٥٢).
(٣) انظر الصاحبي ص ١٤، والبرهان للزركشي (١/ ٣٧٦ - ٣٧٨)، وتاريخ القرآن للكردي ص ١٢٧، والمدخل لأبي شهبة ص ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>