الذي به نسترشد فلقينا لقاء المعرفة وشاهدنا منه ما كان فوق الصفة وتحققنا أن الذي نقل إلينا من أن الخبر عن الغائب فوق المشاهدة ليس على العموم ولو رآه علي بن العباس لما قال:
إذا ما مدحتَ امرءاً غائباً ... فلا تغل في مدحه واقصد
فإنك إن تغل تغل الظنون ... فيه إلى الأمد الأبعد
فيصغر من حيث عظمته ... بفضل المغيب على المشهد
انتهى. وكذا في أزهار الرياض وهذا الكلام من الإِمام أبي بكر بن العربي كاف في جلالة أبي حامد الغزالي رضي الله عنه وحده فكيف مع ثناء من لا يحصى كثرة من المعاصرين والتالين حسبما في غير كتاب من الدواوين. فلا يغتر بما قاله فيه معاصره الأستاذ أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي مما كتب به إلى أبي عبد الله بن مظفر حسبما في نوازل الجامع من المعيار وإن كان مؤلفه لم يتعقبه لكن في كلامه قبله متصلاً به ما يدل على أنه غير مرتضى عنده فإنه قال ما نصه وقيل لأبي علي الصيرفي لمَ حدثت عن سوى أبي حامد الغزالي وأنت رأيته فقال: لكثرة الازدحام عليه وترادف الناس لديه لقد رأيته يوماً وبنحوه نحو خمسمائة رجل معتمين يمشون خلفه حفاة من المدرسة إلى منزله إكراماً له اهـ ومما أنكر على الغزالي رحمه الله ونفعنا به وأفاض علينا من بركته قوله في الإحياء ما في الإمكان أبدع مما كان قيل يعني أن خلق هذا العالم لا يمكن أن يكون أحسن من هذه الصفة التي هو مخلوق عليها وسبقه إلى ذلك عبد العزيز في الحيرة وألزمه الناس الكفر على هذا وأنكره ابن العربي في سراج المريدين غاية الإنكار وغلطه في ذلك وأنكره عليه أهل الأندلس وكفروه قال ابن القطان: لما وصل إحياء علوم الدين إلى قرطبة تكلموا فيه بالسوء وأنكروا عليه أشياء لا سيما قاضيهم ابن حمديس في ذلك حتى كفر مؤلفه وأغرى السلطان به واستشهد فقهاءه فأجمع هو وهم على حرقه فأمر علي بن يوسف بذلك لفتياهم فأحرق بباب قرطبة على الباب الغربي في رحبة المسجد بجلوده بعد إشباكه زيتاً بمحضر جماعة من أعيان الناس ووجه إلى جميع بلاده يأمر بإحراقه وتوالي الإحراق على ما اشتهر منه ببلاد المغرب في ذلك الوقت فكان إحراقه سبباً لزوال ملكهم وانتثار سلكهم وتوالي الهزائم عليهم. وكان المهدي ببلاد المشرق إذ ذاك فذكر ابن القطان في كتابه المسمى بنظم الجمان فيما سلف من أخبار الزمان أن المهدي رحل من باب المغرب الأقصى إلى الأندلس سنة خمسمائة وفي المرية دخل في مركب إلى المشرق فغاب فيه اثني عشر عاماً وذكر أيضاً عن عبد الله بن