عبد الرحمن العراقي شيخ مسن من سكان فاس قال: كنت ببغداد بمدرسة أبي حامد فجاء رجل كثيف اللحية على رأسه كرزي صوف فدخل المدرسة وحياها بركعتين ثم أقبل إلى الشيخ أبي حامد فسلّم عليه فقال: مَن الرجل؟ قال: من أهل المغرب الأقصى، قال: دخلت قرطبة؟ قال: نعم، قال: ما فعل فقهاؤها؟ قال: الخير، قال: هل بلغهم الإحياء؟ قال: نعم، قال: فماذا قالوا فيه؟ فلزم الرجل الصمت حياء منه فعزم عليه ليقولن ما طرأ. فأخبره بإحراقه وبالقصة كما جرت قال: فتغير وجه أبي حامد ومد يديه إلى الدعاء والطلبة يؤمنون فقال: اللهم مزق ملكهم كما مزقوه وأذهب دولتهم كما حرقوه فقام محمد بن تومرت السوسي الملقب بعد بالمهدي عند قيامه على المرابطين فقال: أيها الإِمام ادع الله أن يجعل ذلك على يدي فتغافل عنه أبو حامد فلما كان بعد جمعة إذا بشيخ آخر على مثل شكل الأول فسأله أبو حامد فأخبره بمثل الخبر المتقدم فتغير وجهه ودعا بمثل دعائه الأول فقال له المهدي: على يدي فقال له: اخرج يا شيطان سيجعل الله ذلك على يدك فقبل الله دعاءه وخرج محمد بن تومرت من هناك إلى المغرب برسم تحريك الفتن وقد علم أن دعوة ذلك الشيخ لا ترد فكان من أمره ما كان وكان تاريخ هذا الإحراق سنة سبع وخمسمائة اهـ قلت وابن الغربي وإن اعترض عليه تلك المقالة لم يزل معترفاً له بالفضل والمنزلة العالية لقوله أثناء الرد عليه ما نصه ونحن وإن كنا قطرة في بحره فلا نرد عليه إلا بقوله فسبحان من أكمل شيخنا هذا فواضل الخلائق ثم صرف به عن هذه الواضحة في الطرائق اهـ وقد أشبع الكلام في المسألة شيخ شيوخنا العلامة أبو العباس بن مبارك في أواخر الباب السابع من كتاب الإبريز ومحصل ما فيه الناس في ذلك على ثلاث طوائف فطائفة وهم المحققون من أهل عصره فمن بعدهم إلى هلم جراً ردوا ذلك منهم زين الدين بن المنير المالكي وألّف في ذلك رسالة سماها الضياء المتلألىء في تعقب الأحياء للغزالي وطائفة انتصروا له وتأولوا كلامه على وجه صحيح في ظنهم منهم الشريف الأشهر والمحدث الأكبر السيد السمهودي وألّف في ذلك رسالة اعتنى فيها برد ما لابن المنير ونقضه وقد أجاب الشيخ ابن المبارك عن تلك الأجوبة وردها قائلاً ما نصه وقد تصفحت رسالة السيد السمهودي غاية وأعطيتها ما تستحقه من الإنصاف والتأمل والتمهل فوجدتها دائرة على ثلاثة أمور قد ذكرها وقال بعدها ما نصه: غالب ما ذكره ابن المنير صحيح حق لا شك فيه وردوداته على عبارة الأحياء مستقيمة لا اعوجاج فيها وأجوبة السيد السمهودي عنها غير تامة إلا حرفاً واحداً فإنني أخالف فيه ابن المنير وهو تنقصه من مقام أبي حامد وغضه عن رتبته فإنني لا أوافق على ذلك فإن أبا حامد إمام الدين وعالم