والمنظوم المحقق المطلع الزاهد الورع. أخذ عن عمه سعيد المقري الفقه والحديث وروى عنه الكتب الستة وقرأ عليه البخاري سبع مرات وسنده في ذلك متصل بالقاضي عياض وأخذ أيضاً عن الشيخ أحمد بابا والقصار بسندهما وغيرهم، وعنه أخذ من لا يعد كثرة من أهل المشرق والمغرب منهم عيسى الثعالبي وعبد القادر الفاسي وميارة له مؤلفات جيدة مفيدة تدل على سعة حفظه وفضله ونبله منها نفح الطيب وأزهار الرياض والنفحات العنبرية في نعْل خير البرية وإضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة وحاشية على مختصر خليل وفتح المتعال في أوصال النعل النبوية وقطف المهتصر في أخبار المختصر وإتحاف المغري في تكميل شرح الصغرى وعرف النشق في أخبار دمشق والغث والسمين والرث والثمين والروض العاطر الأنفاس في ذكر من لقيه من أعلام مراكش وفاس والدر الثمين في أسماء الهادي الأمين وحاشية على شرح أم البراهين وكتاب البداءة والنشاة كله أدب ونظم ورسالة في الوفق الخماسي الخالي الوسط وشرح مقدمة ابن خلدون وشرح في أربع كراريس على المنظومة التي مطلعها:
سبحان من قسم الحظوظ ... فلاعتاب ولاملامه
وله غير ذلك، تولى الخطابة والإمامة بجامع القرويين بعد وفاة الشيخ الهواري سنة ١٠٢٢ هـ ورحل للشرق في رمضان سنة ١٠٢٧ هـ ونال بتلك الجهة حظوة وجاهاً فوق ما يذكر وطار صيته وحج خمس حجج وأقرأ هناك الحديث وغيره وتردد على دمشق ومصر وتزوج بها من السادات الوفائية وسبب خروجه من فاس أن سلطانها طلب من العلماء فتوى في أمر نزل وإعطاء العرائش للنصارى فأفتى من أفتى وهرب جماعة منهم صاحب الترجمة وأبو عبد الله الجنان والحسن الزياتي شارح الجمل وأبو العباس أحمد الفاسي ولما دخل دمشق أعجبته وأقرأ دروساً هناك وأملى صحيح البخاري بالجامع الأموي تحت قبة النسر بعد صلاة الصبح ولما كثر الناس بعد أيام خرج إلى صحن الجامع وحضره غالب أعيان علماء دمشق وأما الطلبة فلم يتخلف منهم أحد وكان يوم ختمه حافلاً جداً اجتمع فيه الألوف من الناس وتكلم بكلام في العقائد والحديث لم يسمع نظيره وعلت الأصوات بالبكاء فنقلت حفلة الدرس إلى وسط الصحن وأتي له بكرسي الوعظ وأخيراً أتى بأبيات قالها حين ودّع المصطفى - صلى الله عليه وسلم -وترجم للبخاري وأنشد له بيتين وأفاد أن ليس للبخاري غيرهما وهما:
اغتنم في الفراغ فضل ركوع ... فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح قد مات قبل سقيم ... ذهبت نفسه النفيسة فلته