كم من مرسل لا أصل له، وكم من مرسل يخالف مسنداً (١) فقرر أن لا يأخذ بالمرسل إلا عند وجود شروط وهي مذكورة في كتب الأصول، ومنها أنه لم تكن قواعد الجمع بين المختلفات مضبوطة عندهم فكان يتطرق بذلك خلل في مجتهداتهم فوضع لها أصولاً ودوّنها في كتاب وهذا أول تدوين كان في أصول الفقه مثاله ما بلغنا أنه دخل على محمد بن الحسن وهو يطعن علي أهل المدينة في قضائهم بالشاهد الواحد مع اليمين ويقول هذا زيادة على كتاب الله، فقال الشافعي: أثبت عندك أنه لا تجوز الزيادة على كتاب الله بخبر الواحد؟ قال نعم. قال: فلمَ قلت إن الوصية للوارث لا تجوز لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا وصية لوارث" وقد قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}[البقرة: ١٨٠] الآية وأورد عليه أشياء من هذا القبيل فانقطع كلام محمَّد بن الحسن، ومنها أن بعض الأحاديث الصحيحة لم يبلغ علماء التابعين ممن وسد إليهم الفتوى فاجتهدوا بآرائهم أو اتبعوا العمومات أو اقتدوا بمن مضى من الصحابة فأفتوا حسب ذلك ثم ظهرت بعد ذلك في الطبقة الثالثة فلم يعملوا بها ظناً منهم أنها تخالف عمل أهل مدينتهم وسنتهم التي لا اختلاف لهم فيها وذلك قادح في الحديث وعلة مسقطة له أو لم تظهر في الثلاثة وإنما ظهرت بعد ذلك عندما أمعن أهل الحديث في جميع طرق الحديث ورحلوا إلى أقطار الأرض وبحثوا عن حملة العلم فكثر من الأحاديث ما لا يرويه من الصحابة إلا رجل واحد، أو رجلان، ولا يرويه عنه أو عنهما إلا رجل واحد أو رجلان وهلم جراً فخفي على أهل الفقه وظهر في عصر الحفاظ الجامعين لطرق الحديث كثير من الأحاديث رواه أهل البصرة مثلاً وسائر الأقطار في غفلة منه فبيّن الشافعي أن العلماء من الصحابة والتابعين لم يزل شأنهم يطلبون الحديث في