١٧٣٠ - وأما إفريقية فالكلية الوحيدة بها أولاً جامع القيروان الذي أسسه سيدنا عقبة بن نافع رضي الله عنه سنة ٥٠ هـ، ثم لما انتقل كرسي المملكة لتونس صارت الكلية الوحيدة جامع الزيتونة وتخرج منه أئمة أعلام لا يمكن استقصاؤهم، وقد اعتنى بشأن هذا الجامع وبشأن العلوم الملوك والأمراء فجمعوا الكتب العلمية على اختلاف أنواعها وحصل منهم التغالي في اقتنائها وحفظها في الخزائن بقصورهم للمطالعة وبالمدارس وبجامع الزيتونة لنفع العموم، وكان في خزائن أبي عبد الله المنتصر ستة وثلاثون ألف مجلد وما وقع تحبيسه من أبي فارس وأبي عمرو وأبي عبد الله كثير جداً وسيأتي شرحها في التتمة، وفي الرزنامة التونسية أن جامع الزيتونة كان مستبحراً بالعلوم على اختلاف أنواعها عقلية ونقلية مقاصد ووسائل حتى كان يقال إن حذاء كل سارية من سواريه مدرساً وفي خزائنه ما يزيد على المائتي ألف مجلد، ولما دخل الإسبان تونس ربطوا خيلهم بالجامع وأستباحوا ما به وبالمدارس من الكتب وألقوها في الطرقات يدوسها العسكر بخيولهم وهذا هو السبب في قلة وجود تآليف الفحول الذين تخرجوا من هذا الجامع وكانت للمشير أحمد باشا عناية زائدة بالعلم وجمع الكتب فاشترى كتباً كثيرة لها بال وأضاف لها كتب آله الموضوعة بخزائن أسلافه ووضعت في خزائنها العشرين التي زين بها صدر الجامع على يمين المحراب وشماله ورتب به ثلاثين مدرساً نصفهم حنفية ونصفهم مالكية ثم أضاف لها المشير محمَّد الصادق باشا ست خزائن مملوءة كتباً وأحيى المكتبة المعروفة بالعبدلية بصحن الجنائز من الجامع المذكور ووضع فيها ما يزيد على الثلاثة آلاف مجلد من نفائس الكتب وزاد في الجراية للمدرسين واستنهض همتهم. قلت في هذا الوقت به من التلامذة ١٩٧٣ وعلى عهد الأمير المنعم المبرور محمَّد الحبيب باشا باي وقعت الزيادة في الجراية والمدرسين بين حنفية ومالكية في طبقات ثلاث الأولى عددها ٣٠ والثانية عددها ١٢ والثالثة عددها ٥٠ واثنان من المدرسين في فن القراءات أحدهما في المرتبة الأولى والآخر في الثانية وهاته خصصت بالتعليم الابتدائي بجامع سيدي يوسف وصيرورة هذا الجامع فرعاً لجامع الزيتونة حيث ضاق بأهله وكان ابتداء التعليم به في يوم السبت الخامس عشر من شوال سنة ١٣٤٥ هـ في احتفال عظيم وموكب فحيم حضره الأمير المذكور والخاصة والجمهور. والخلاصة أن هذا الجامع اعتنى به الأمراء وكثير من فضلاء الأمة بجعل خزائن كتب علمية وإقامة مدرسين فيه يبثون العلم الشريف وروح الشرع العزيز وقواعد الدين الحنيف وقد تخرج منه الكثير من فحول العلماء الأفاضل حاملين لواء العلوم مقاصد ووسائل، لهم مقدرة عظيمة على التقرير والتأليف والتحرير وإقامة البراهين والدلائل وحل المشكلات مع التضلع