للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علم الشريعة نظماً ونثراً، بأفصح عبارة، وألطف إشارة. وفصيح اللسان منهم والقلم، قام على المنابر في المحافل خطيباً في الأمر الذي يهم. فخطب الخطب البارعة المذكرة، الجامعة النافعة المؤثرة. بأبلغ لسان، وأبين بيان. ونسج الشعراء في قصائدهم الطنانة على هذا المنوال، وأتوا بما يعتمد عليه في الأقوال والأفعال. وبما تحمد عقباه في الحال والمآل، فهؤلاء الأعلام، هداة الإِسلام مهدوا للأمة طرق إرشادها، وما يفيد في أمر معاشها ومعادها. بما ذكر وبضرب الأمثال والمنصح بجوامع الكلم، والمواعظ والرقائق والحكم. قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} [الذاريات: ٥٥] كل ذلك باللغة العربية الفصيحة التي جاء بها الكتاب المبين، قال جلّ جلاله وعز كماله: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: ٣] وحثُّوا على التعليم والتعلم ليقع التفقه في الدين ويحصل المتقدم. فالعلم وسيلة النفوس الشريفة إلى المطالب، المنيفة والسبيل في الآخرة إلى السعادة وفي الدنيا إلى النحلة عادة، قال عز من قائل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: ٩] وعن كميل بن زياد أن علياً رضي الله عنه قال: يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير. الناس ثلاث: فعالم رباني ومتعلم في سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا منه إلى ركن وثيق. العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال. العلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفقة. العلم حاكم والمال محكوم عليه. العلم دين يدان به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، مات خزان الأموال وهم أحياء العلماء باقون ما بقي الدهر؛ أشخاصهم مفقودة وأشباحهم في القلوب موجودة اهـ. من سراج الملوك. وفي هذا المعنى أنشد أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد ابن السيد البطليوسي:

أخو العلم حي خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم

وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ... يظن من الأحياء وهو عديم

وقال أيضاً كرم الله وجهه في بعض خطبه: اعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون وقدر كل امرئ ما يحسن. وهو كلام لم يسبق به أحد فيه حث على طلب العلم، ونظم ذلك بعضهم:

تلوم على أن رحت للعلم طالباً ... وأجمع من علم الرواة فنونه

فيا لائمي دعني أغالي بمهجتي ... فقيمة كل الناس ما يحسنونه

<<  <  ج: ص:  >  >>