للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي كتاب الاعتصام أن الله سبحانه شرّف أهل العلم ورفع أقدارهم وعظّم مقدارهم ودلّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع بل قد اتفق الفضلاء على فضيلة العلم وأهله وأنهم المستحقون شرف المنازل وهو مما لا ينازع فيه عاقل. واتفق أهل الشرائع على أن علوم الشريعة أفضل العلوم وأعظمها أجراً عند الله يوم القيامة ولا علينا أسامحنا بعض الفرق في تعيين العلوم أعني العلوم التي نبّه الشارع على مزيتها وفضيلتها أو لم يسامحنا بعد إلاتفاق من الجميع على الأفضلية وإثبات المزية وأيضاً فإن علوم الشريعة منها ما يجري مجرى الوسائل بالنسبة إلى السعادة الأخروية ومنها ما يجري مجرى المقاصد والذي يجري مجرى المقاصد أعلى مما ليس كذلك بلا نزاع بين الفقهاء أيضاً كعلم العربية بالنسبة إلى علم الفقه فإنه كالوسيلة فعلم الفقه أعلى. وإذا ثبت هذا فأهل العلم أشرف الناس وأعظم منزلة بلا إشكال ولا نزاع وإنما وقع الثناء في الشريعة على أهل العلم من حيث اتصافهم بالعلم لا من جهة أخري ودل على ذلك وقوع الثناء عليهم مقيداً بالاتصاف به فهو إذاً العلة في الثناء ولولا ذلك الاتصاف لم يكن لهم مزية على غيرهم ومن ذلك صار العلماء حكاماً على الخلائق أجمعين قضاء وفتياً وإرشاداً لأنهم اتصفوا بالعلم الشرعي الذي هو حاكم بالإطلاق ثم قال بعد تفصيل وكلام طويل فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً وأن من وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكماً ولا استقام أن يكون مقتدى به فيما حاد به عن صوب الشريعة البتة اهـ. وقال الإِمام الغزالي أن أحكام الجراحات والحدود والغرامات وفصل الخصومات وما أشبه ذلك إنما هي قانون السياسة وضبط الجمهور الذين يتنازعون بحكم شهواتهم فالفقيه معلم السلطان ومرشده إلى قانون سياسة الخلق وهذا في الحقيقة حراسة للدنيا والدنيا بها يتم الدين، فالفقه الذي عند الأمة الإِسلامية إنما هو القانون والقانون يحفظ البلاد والعباد وبحفظ هؤلاء يتم الدين. وقال الحسن البصري رضي الله عنه: العلماء سراج الأزمنة فكل عالم مصباح زمانه يستضيء به أهل عصره ولولا العلماء لكان الناس في عمى كالبهائم ولولا السلطان لأكل الناس بعضهم بعضًا ولله در عبد الله بن المبارك حيث قال:

لولا الخلافة ما قامت لنا سبل ... وكان أضعفنا نهباً لأقوانا

<<  <  ج: ص:  >  >>