للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وازدجر من زواجره حل منه محل الرضا. فهذا طريق إقامة العدل الشرعي والسياسة الإِسلامية الجامعة لوجوه المصلحة الآخذة لازمة التدبير السالمة من العيوب الممهدة لإقامة الدنيا والدين، فكما أن الملك الحازم لا يتم له حزمه إلا بمشاورة الوزراء الأخيار كذلك لا يتم له عدله إلا باستمالة العلماء الأبرار اهـ وفيه قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٤٠] هاته الآية في السلاطين على ما اقتضته من السياسة العامة التي فيها إبقاء الممالك وثبوت الدول ثم سمى المنصورين وأوضح شرائع النصر فقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: ٤١] فضمن الله تعالى النصر للملوك وشرط عليهم كما ترى، فمن تضعضعت قواعدهم وانتقض عليهم من أطراف ممالكهم أو ظهر عليهم عدو أو باغي فتنة أو حاسد نعمة أو اضطربت عليهم الأمور فليلجأوا إلى الله تعالى بإصلاح ما بينه وبينهم بإقامة ميزان القسط الذي شرعه الله لعباده وركوب سبيل العدل والحق الذي قامت به السماوات والأرض وإظهار شرائع الدين ونصرة المظلوم والأخذ على الظالم وكف يد القوي عن الضعيف. روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وفيه وينبغي للسلطان أن يولي الأفضل فالأفضل وإن كان على خلاف ذلك كان سيىء النظم، وينبغي أن يكون الأقرب إليه أهل العلم والعقل والأدب والرأي والأصالة والشرف والكمال من كل قبيلة وإن كان على خلاف ذلك كان نقصاً. انتهى.

واعلم أنه اقتضت حكمة هذا الدين أن يكون الخليفة رئيسه السياسي والديني وهي في هاته الأمة دينية نافعة في الدنيا والآخرة وتصرفه المديني مختص بخطط ومراتب لا تعرف إلا للخلفاء الإِسلاميين. منها الصلاة والقضاء والجهاد والحسبة وهي بهذه المثابة لم تتجاوز عهد الخلفاء الراشدين وصارت بعد ذلك ملكاً دنياوياً بحتاً إذ ترك الخلفاء أهم أصل من أصول الدين وهي الصلاة بالناس التي استخلف بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فكان الخليفة على الأمة في الدين كما صار أميراً عليها في أمور سياستها في الدنيا. وعقد ولي الدين بن خلدون فصلاً في معنى الخلافة والإمامة قال فيه: إذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الدنيا والآخرة وذلك أن الخلق ليس المقصود بهم دنياهم فقط فإنها

<<  <  ج: ص:  >  >>