للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلو ولا يعلى عليه وأن المسلمين قوم نصروا الله فنصرهم على أعدائهم ومكن لهم السلطان في الأرض وحصل لهم بذلك سعادة الدنيا والآخرة.

لا ينكر ما لأبي بكر رضي الله عنه من حسن الاختيار بمن ولاهم حروب الردة من القواد العظام الذين أمعنوا بجيوش المسلمين القليلة في أحشاء بلاد العرب وجابوا أنحاءها القاصية حتى بلغوا مشارف الشام والجزيرة شمالًا وشطوط البحر الهندي جنوباً والعراق العربي وخليج فارس شرقاً وشطوط البحر الأحمر ومضيق باب المندب غرباً. ولم تكن غيبتهم إلا كما يغيب المرتاد للمناجع ثم انقلبوا ظافرين وقد عمموا في جزيرة العرب دعوة القرآن وجمعوا سكانها على كلمة الإيمان ونتج عن ذلك أن وقعت هيبة الإِسلام في قلوب العرب وأيقنوا أنه الدين الحق الذي لا يفلح مناوئه ولا ينجح شانئه. فأقبلوا بأجمعهم إليه، وجمعوا كلمتهم المتفرقة عليه.

ثم التفت أبو بكر رضي الله عنه للفتوحات ورأى أن لا يدع لبعض المنافقين الذين لا يروق لهم سمو شأن الإِسلام وقتاً لدس سموم الفتنة في جسم تلك الأمة العظيمة التي جمعتها كلمة الإِسلام وأن يشغلهم مع الجيوش الإِسلامية بالفتح تعميماً للدعوة الإِسلامية وبثاً لروح العدل والحرية بين الأمم، فما هو إلا أن ولج بالعرب هذا الباب حتى انكفؤوا على الأمم التي مزقت أحشاءها سيوف الأهواء والأوهام وقضى على مجدها القديم ظلم أرباب السيطرة على النفوس والأجسام فلم يلبث أن وافاها المسلمون يحملون لفريق أهل الكتاب منها {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} ولفريق الصابئة ومَن على نحلتهم من المشركين الإِسلام أو الجزية أو السيف حتى اشرأبت لعدل سلطانهم أعناق الناس ودانت لدينهم الشعوب وخضعت لسلطانهم فعمروا المسالك وشادوا الممالك ومصروا الأمصار وكانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون القسطاس ويأخذون من أنفسهم للمظلوم حتى يرضى كما يأخذون على الظالم متى يتعدى.

أول ما التفت إليه أبو بكر رضي الله عنه فتح العراق والذي حركه لذلك هو البطل الجليل المثنى بن حارثة بن ضمضم الشيباني بن بكر بن وائل وهو ممن لم يتابع بكراً على ردتها وبقي وقومه على الإِسلام وسهل إليه الأمر ورغّبه بغزوهم فكتب إليه أبو بكر رضي الله عنه عهداً وسار إلى بلاده ثم إن أبا بكر رضي الله عنه استدعى خالد بن الوليد في اليمامة سنة ١٢ وأمره بالمسير إلى العراق وأن يبدأه من أسفله وكتب إلى عياض بن غنم الفاتح الشهير الذي كان على يده فتح الجزيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>