علياً وطلحة لأنهما لم يحضرا الرأي الأول، ولما انتهى من خطبته أشار عليه طلحة وعلي بما أشار إليه العامة ونهاه العباس وعبد الرحمن بن عوف عن هذا الرأي وقال له الثاني: أقم وابعث جنداً فقد رأيت قضاء الله لك في جنودك قبل وبعد فإنه إن يُهزم جيشك ليس كهزيمتك وإنك أن تقتل أو تهزم في آنف الأمر خشيت أن لا يكبر المسلمون وأن لا يشهدوا أن لا إله إلا الله أبداً اهـ. فأخذ رضي الله عنه برأي عبد الرحمن رضي الله عنه وأمر على الجند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عامله على هوازن ودعاه وأوصاه بوصية ثم خرج سعد ومعه أربعة آلاف من اليمن وغيرهم وفيهم من السراة وزعماء العرب عدد وافر منهم خميصة بن النعمان البارقي وشداد بن ضمضج الحضرمي وعمرو بن معدي كرب وشرحبيل بن السمط الكندي وأضرابهم من صناديد العرب وقادتها وخطب خطبة عند مشايعتهم وسار الجند حتى انضم إلى جند العراق الذين كانوا مع المثنى فكان عدد الجند الذي شاهد وقعة القادسية ثلاثين ألفاً وفي أثناء ذلك توفي المثنى بن حارثة الشيباني أمير جيش العراق من أثر انتقاض جراحة أصابته في وقعة الجسر المتقدم ذكرها وكان رضي الله عنه على جانب عظيم من الشجاعة والإقدام والنظر البعيد في شؤون الحرب لا يدانيه إلا خالد بن الوليد، ولما تم لسعد الاستعداد انتشب القتال بينه وبين عدوه وانتهى بفل جموع الفرس وفتح القادسية وأقام فيها بعد الفتح شهرين وكتب للخليفة فيما يفعل فكتب إليه يأمره بالمسير إلى المدائن فسار إليها لأيام بقين من شوال سنة ١٥ أو سنة ١٦ وفتح في طريقه بابل ثم دخل المدائن وهي عاصمة الأكاسرة بعد حصار شهرين وهرب منها كسرى لحلوان فغنم المسلمون من ذخائر كسرى وأموال الفرس ما لا يعد وجعل سعد إيوان كسرى مسجداً. وموقع المدائن على دجلة من الجنوب الغربي من بغداد ولم يبقَ غربي دجلة إلا أرض العرب وكلهم آمنوا واغتبطوا بملك الإِسلام ثم أرسل جيشاً بقيادة ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى حلوان وفتحها بعد أن فر كسرى منها إلى الري وفي أثناء إقامة سعد بالمدائن وقع فتح تكريت والموصل ثم تحول للكوفة بعد أن اختطها بأمر من الخليفة وسنشرح الكلام على تكريت عند التعرض لفتح الجزيرة ثم وقع فتح الأهواز وسوس وتُسْتَر. والأهواز اسم ولاية واقعة بين ولاية البصرة وولاية فارس وكان بها الهرمزان وهو أحد البيوتات السبعة في أهل فارس وكن شهد القادسية مع الفرس فانهزم بهزيمتهم فجاء إلى الأهواء فتولى أمرها وكانت وقعت منه عهود أثناء وقائع تقدمت فنقضها ولما وقع فتح الأهواز طلب الهرمزان الأمان على أن ينزل من القلعة التي اعتصم بها على حكم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فنزل على حكم ذلك واقتسموا ما أفاء الله عليهم