لكثرة أهلها، ثم إن عبد الله بن سعد شكا عمرو بن العاص إلى عثمان لخلاف وقع بينهما فاستقدمه عثمان واستقل عبد الله بن سعد على إمارتي الخراج والحرب في مصر، وكتب عبد الله يستأذن عثمان في قصد إفريقية ثانية ويستمده فجمع عثمان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشارهم في ذلك فأشاروا عليه بغزوها فندب الناس إلى ذلك فتسارعوا وخرج المهاجرون الأولون وفيهم جماعة أعيان الصحابة وأبناء الصحابة منهم العبادلة الأربعة ابن عباس وابن الزبير وابن عمرو بن العاص وابن جعفر والحسن والحسين ومروان بن الحكم. ولما اجتمع المسلمون على المسير جمع عثمان الناس وخطب خطبة قال فيها بعد حمد الله والثناء عليه: أما بعد، فإني قد عهدت إلى عبد الله بن سعد أن يحسن إلى محسنكم ويتجاوز عن مسيئكم وأن يرفق بكم ولا حول ولا قوة إلا بالله وقد استعملت عليكم الحارث بن عبد الحكم حتى تقدموا إلى عبد الله، فلما قدموا خرج بمن كان معه وبمن قدم عليه وذلك سنة ٢٦ هـ ولقيهم عقبة بن نافع فيمن معه من المسلمين ببرقة ثم ساروا إلى طرابلس فقاتلهم الروم قتالاً خفيفاً وبعث عبد الله السرايا في كل ناحية وساروا إلى إفريقية تونس فقابله عند مدينة يعقوبة - وفي رواية سبيطلة - حاكم إفريقية الشمالية من قبل إمبراطور القسطنطينية واسمه غريغوار ويسميه العرب جرجيراً بمائة وعشرين ألف مقاتل واشتبك بينهما القتال وجاءهم عبد الرحمن بن الزبير مدداً من قبل عثمان بفتح الزاي وهو غير الزبير بضم الزاي ابن العوام فشهد الحرب وقد غاب عنهما عبد الله بن سعد فسأل عنه فقيل له إنه سمع منادي جرجير يقول: من يقتل ابن أبي سرح فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي، فخاف وتأخر عن حضور القتال فقال له عبد الله بن الزبير: تنادي أنت بأن مَن قتل جرجيراً نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته على بلاده، وقد كان جرجير لما سمع بوصول المدد سقط ما في يده إلا أنه جالد المسلمين جلاداً عظيماً فلما أبطأ عليهم الفتح أشار عبد الله بن الزبير على عبد الله بن سعد أن يترك جماعة من أبطال المسلمين متأهبين للحرب ويقاتل العدو بباقي العسكر إلى أن يضجروا فيحمل عليهم بالآخرين على غرّة ففعل وركبوا من الغد إلى القتال وألحوا على الأعداء حتى اتبعوهم ثم افترقوا وقد أنهكهم التعب فركب عبد الله بن الزبير مع الفريق المستريحين وحملوا حملة واحدة حتى غشوا عسكر جرجير في خيامهم فانهزموا وقتل عبد الله بن الزبير جرجيراً وأخذت ابنته سبية فنفلها ابن الزبير وحاصر عبد الله بن سعد سبيطلة ففتحها وكان سهم الفارس فيها ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألفاً وهو فتح عظيم لم يفتح على أحد مثله، ثم إن عبد الله بن سعد بعث سراياه إلى أنحاء البلاد وعليها القواد ومنهم ابن الزبير فجالوا