غزونا إفريقية مع ابن حديج ومعنا بشر كثير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار ثم غزا إفريقية عقبة بن نافع ومعه جماعة من الصحابة، وفي هذه الغزوة استشهد أبو زمعة عبيد الله بن أرقم البلوي نسبة لبلي كعلي قبيلة من قضاعة وهو صاحب المقام المعروف به خارج القيروان ودفنت معه شعرات من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - فعظم بذلك قدر إفريقية واختط عقبة القيروان وبنى بها الجامع الأعظم المشهور وكان تأسيسه لها سنة ٥٠ هـ وتم سنة ٥٥ هـ وقاتل البربر وشردهم ثم عزله معاوية وولى مصر وإفريقية مسلمة بن مخلد الأنصاري فوجه لإفريقية مولاه أبا المهاجر ديناراً سنة ٥٦ هـ وغزا جزيرة شريك وغيرها ولما توفي الخليفة معاوية وبويع لابنه يزيد رجع هذا الخليفة عقبة المذكور إلى عمل إفريقية ووصل القيروان سنة ٦٢ هـ. غزا كثيراً من الجهات وفتحها وشتت جموع البربر وغيرهم. قال ولي الدين بن خلدون: وصل عقبة إلى جبال درن وقاتل المصامدة بها وكانت بينه وبينهم حروب وحاصروه بجبال درن فنهض إليهم جموع زناتة وكانت خالصة للمسلمين منذ إسلام مغراوة فأفرجت المصامدة عن عقبة فأثخن فيهم حتى حملهم على طاعة الإِسلام ودوّخ بلادهم ثم دخل السوس لقتال مَن بها من صنهاجة وهي يومئذ على دين المجوس فأثخن فيهم وهزم جموع البربر وقفل راجعاً وكان كسيلة الأروبي في جيوش عقبة قد استصحبه في غزواته وكان يستهين به ويمتعضه حتى صار في نفسه شيء بسبب ذلك على عقبة وبلغ ذلك أبا المهاجر وهو معتقل عند عقبة فبعث إليه ينهاه ويقول له: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتألف جبابرة العرب وأنت تعمد إلى رجل جبار في قومه وبدار عزه وحديث عهد بالشرك فتستفسده وأشار عليه بأن يتوثق منه وخوّفه غائلته فتهاون عقبة بقوله. فلما قفل من غزاته هاته وانتهى إلى أرض الزاب، وكسيلة أثناء هذا كله في صحبته، صرف العساكر إلى القيروان أفواجاً ثقة بما دوخ من البلاد وأذل من البربر وبقي في قليل من الجند فلما وصل إلى تهودة وأراد أن ينزل بها الحامية نظر إليه الفرنجة وطمعوا فيه فراسلوا كسيلة ودلوه على الفرصة فيه فانتهزها وأرسل بني عمه ومَن تبعهم من البربر فاقتفوا أثر عقبة وأصحابه حتى إذا غشوهم بتهودة ترجل القوم وكسروا أجفان سيوفهم ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه فلم يفلت منهم أحد وكانوا زهاء الثلاثمائة من كبار الصحابة والتابعين، واستشهدوا في مصرع واحد، فيهم أبو المهاجر دينار. وأجداثهم رضي الله عنهم بمكانهم بأرض الزاب لهذا العهد، واتخذ على المكان مسجد يعرف باسم عقبة هو في عداد المزارات ومظان البركات بل هو أشرف مزور من الأجداث في بقاع الأرض لما توفي فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ