للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على فتح القيروان وخاب سعيه اغتنم ابنه أبو العباس فرصة مغيب والده وقدم من بونة وهو يومئذ عامل عليها إلى تونس ودخل قصبتها على حين غفلة ولما اتصل الناس بخبره بايعوه وسار سيرة حسنة ولما بلغ والده خبره عظم عليه ذلك وبذل مالاً جسيماً للطاغية فوجه معه أسطولاً لنصره ونزل بحلق الوادي ووقع القتال بين المسلمين والنصارى وكانت الدائرة على عسكر الطاغية وأما الحسن فمر بجزيرة شكى فأدركه أبو الهول أحد رؤساء الأعراب وأخذه وأتى به إلى ابنه فاعتقله ثم أذهب بصره ثم فر وهو على تلك الحالة إلى القيروان ومات هناك واستقل ابنه أبو العباس وظهرت كفاءته لولا هرم الدولة ثم قدم للحاضرة علي باشا صاحب الجزائر واستولى عليها وأخذ البيعة للسلطان سليم ورتب حراستها، وأما أبو العباس فإنه فر بما خف من أهله وذخائره إلى حلق الوادي وذلك سنة ٩٧٧ هـ ولبثوا على ذلك ثلاث حجج فالعرب مالكة للضاحية والنصارى للثغور ثم جاء أسطول عظيم من قبل الطاغية بسعي من أبي العباس المذكور ولما وصل أطلعه قائده على كتاب من موجهه ومضمونه يعينه على طلبه بشرط المقاسمة في الحكم والجباية فأنكر ذلك وأنف منه وانتقل إلى بلومو من صقلية وبها توفي ثم حمل إلى مدفنه بزاوية الشيخ الجليزي بالحاضرة. والشرط المذكور قبله أخوه محمَّد وآل الأمر بعد ذلك إلى دخوله الحاضرة مع العدو وقاسمه الملك مقاسمة الغالب مع المغلوب واشتد الخطب بما آل بالمصائب العظيمة والنوائب الجسيمة على العباد والبلاد من هتك الأستار والعبث بالفساد حتى خرج أهل تونس إلى الجبال والغابات والبوادي ونالهم من الجوع والعطش ما هو مبسوط في كتب التاريخ تقشعر منه الجلود وعاثت عساكر الإسبان في الأرض وربطوا خيولهم بجامع الزيتونة واستباحوا ما به وبالمدراس من الكتب العلمية وألقوها في الطرقات يدوسها العسكر بخيولهم وهذا هو السبب في قلة وجود تآليف الفحول من هذا القطر فإنها ذهبت شذر مذر وفي هاته الواقعة نبشوا قبر ولي الله أبي محفوظ محرز بن خلف وستر الله جسده الكريم فلم يجدوا به إلا التراب إلى غير ذلك مما ينبو عنه السماع ويبكي العيون دماً ويذيب القلوب ألماً وفعلوا مثل ذلك بالمدائن المهدية والمنستير وغيرهما من المحارس والقصور تخريباً وقتلاً وأسراً ومات نحو الثمانين ألفاً وأسر مثلها الطاغية المذكور ثم تداركها الله بالتفات السلطنة العثمانية فأنقذتها من مخالب هذا الطاغية في جمادى الأولى سنة ٩٨١ هـ وهذا الفتح من أهم الفتوحات الإِسلامية والمآثر الخالدة في إفريقية لهاته الدولة السنية خلد الله ذكرها وأيد ملكها وفخرها وكان هذا الفتح على يد وزيرها الشائع الصيت المعروف بالفضل والنجدة والشجاعة والثبات والرأي الصائب والفكر

<<  <  ج: ص:  >  >>