الأمة بالمال الكثير وعرضت في مدته محاربات فاز فيها بالظفر ووقعت بينه وبين دولة فرنسا وحشة آلت إلى صلح، وفي سنة ١١٥٩هـ قدم الإخوة أبناء الأمير حسين من الجزائر ومعهم محلة أميرها باي قسنطينة إلى الكاف وامتدت أعناق الآمال إلى الإسعاف ووافتهم نجوع العرب بالمدد وبالرجال والعدد لولا ما غدر به أمير المحلة فردها بدون كبير قتال وغره في ذلك ما وصله من المال وتفرقت جموع الحاشدين وأسفوا من شماتة الحاسدين ومات من شدة الأسف أحد أبناء الأمير محمود وكان بطلاً مقداماً شهماً هماماً ثم تفرقت كلمة أبناء علي باشا بسبب الحسد وأدت هاته التفرقة إلى حصول وحشة بين الأمير يونس ووالده وبسبب ذلك باشر لسعي بنفسه بمعاضدة ابنه سليمان ويونس نبذ بالعراء ثم قام على أبيه وانقسم الناس إلى قسمين قسم مع الباشا وقسم مع ابنه يونس وقامت الحرب على ساق داخل الحاضرة وصوبت المدافع على الدور والمساجد والجوامع ونال الناس الرعب من كور المدافع وأصابت قنبلة سارية من سواري جامع الزيتونة وعظم الخطب وآل الأمر إلى انخذال يونس وفراره إلى قسنطينة ثم إن ثالث الإخوة محمد فوق سهمه لأخيه سليمان لما خشي من وراثته الملك بعد أبيه لما يرى لأبيه من إيثاره عليه لما فيه من الأهلية فعاجله بالإطعام فمرض أسبوعاً وفاضت نفسه على حين لم يكن والده متوقعاً ذلك فتوفي مسموماً سنة ١١٦٨هـ وأعلم أبوه بصنيعه بأخيه وتحقق أن الله أذاقه بأس ولده محمد لإعدامه لعضدي نصرته يونس بالفرار وسليمان بالممات وكان ذلك من مبادئ انتقام الله منه والله عزيز ذو انتقام ولازمه الأسف. وهذا الباشا كان مع سفكه للدماء وامتهانه للخاصة وإضراره للمملكة بمظالمه معدوداً من العلماء وله شرح مهم على تسهيل ابن مالك ويقال إن شيخه أبا عبد الله الخضراوي كانت له يد في تأليفه وقرظه علماء عصره منهم أبو الحسن علي البارع بقوله:
لله شرح للأمير موضح ... لم يتصف بصعوبة التلويح
سهل التناول بالخفاء مصرح ... قد فاق في التسهيل والتصريح
فإذا افتقرت إلى كتاب موضح ... فكتابه المغني عن التصريح
وله ولوع بجمع الكتب واكتسابها وله مآثر جليلة منها تربته التي بالقشاشين ومدرسته الباشية والسليمانية نسبة لولده سليمان وقدم لمشيختها الشيخ محمد الغرياني وهاته الأبنية حول الجامع الأعظم ومدرسة بير الأحجار ومدرسة حوانيت عاشور وقدم لمشيختها الشيخ عبد الله السوسي وأوقف على جميع ذلك أوقافاً وجعل جرايات للشيوخ والتلامذة إعانة على طلب العلم الشريف واعتنى بتحصين البلاد