وجهز الثغور وأجرى السقايات العظيمة النفع وهدم الحانات ومنع بيع العنب لمن يعصره خمراً وبنى مباني ضخمة بباردو ولما امتلأ مكياله ولاقى من عقوق بنيه ما صنعه لعمه جزاء وفاقاً وقيدته هموم فقد ولديه وصارت النفوس شعاعاً من تصرفات ابنه محمد باي حنوا إلى بني ملكهم حنين الغريب إلى الوطن وكاتبهم الكثير من أهل الحل والعقد يحثونهم على القدوم للقيام بشأنهم فقدموا ومعهم محلة من الجزائر بما انضم إليهم من العشائر حتى نزلوا قبلي الحاضرة ولج الباشا وابنه محمد في القتال حتى انهزما معاً وقتل محمد قرب الملاسين وأسر الباشا ثم قتل بعد أيام في ذي الحجة سنة ١١٦٩هـ وقد استكمل استقصاء خبره وخبر عمه وأبناء عمه المؤرخ الشيخ محمد بن يوسف الحنفي الباجي في تاريخه المسمى المشرع المكي بدولة أبناء علي تركي ودفن بتربته ورثاه كاتبه الشاعر المفلق محمد الورغي بقوله:
مضت دولة الباشا علي كانه ... من الدهر يوماً في البرية ما عاشا
أتته المنايا وهو في عظم قوة ... وجيش كثيف مثله قط ما جاشا
فصار دفيناً بعد ما كان دافناً ... فقلت وقد أرخته دفن الباشا
وبأثر ذلك دخل الحاضرة الأمير الباشا محمد بن حسين باي وأخوه علي في يوم مشهود خفقت فيه الرايات والبنود في ذي الحجة سنة ١١٦٩هـ فهرعت الخاصة والعامة إلى بيعتهما واطمأنت الأنفس وقرت العيون بعود الدر إلى معدنه وجلس محمد على كرسي المملكة فزانه بعدله وإحسانه وكان من سمحاء الملوك وصدور الأدباء وفحول الشعراء له ديوان شعر بديع وقصائد نبوية وتوسلية تدل على حسن وثوقه بالله وأوليائه أما قصيدتاه الميمية والقافية فهما غاية في الإبداع وقد سمى أولاهما محركات السواكن إلى أشرف الأماكن ومطلعها:
هل زورة تشفي فؤاد متيم ... يا أهل مكة والحطيم وزمزم
وشرحها قاضي محلته وأستاذه الشيخ محمد بن محمد الشافعي الشريف بجزأين ضخمين التزم في شرح كل بيت منها خمس فنون اللغة والنحو والمعاني والبيان والبديع فهو شرح مشحون علماً وأدباً وأما القصيدة القافية فشرحها الشيخ صالح الكواش وقيل ابنه محمد الكواش وكانت أيامه على قصرها مواسم بواسم وتوفي في جمادى الثانية سنة ١١٧٢هـ ورثاه الشيخ محمد الورغي المذكور بقصيدة مطلعها:
هذا ضريح للإمام الأمجد ... فخر الملوك السيد ابن السيد