الرحلة الفليارية وزار في أثنائها بعض المدن والمتلوي من عمل قفصة الذي به الفسفاط وهو عبارة عن طبقة من الأرض مادتها ترابية صالحة لتسميد الغروس والمزروعات وهي من الكنوز التي حصلت بها ثروة عظيمة لهاته المملكة قال بعضهم: هذ كنز لا يفنى وثروة لا تبلى، وأسست لها شركة أسست سككاً حديدية رابطة بصفاقس وغيرها. وفي سنة ١٣٤٠هـ موافق ١٩٢٢م كانت زيارة رئيس الجمهورية الفرنساوية لإفريقية الشمالية وهي عبارة عن المغرب الأقصى والجزائر والمملكة التونسية فقام بهاته الرحلة أعظم عظماء هاته الجمهورية مسيو ميلران ابتدأها من الدار البيضاء مرسى مدينة على البحر المحيط وأنهاها بجربة الغربية من الحدود الطرابلسية في أبهة وحفل عظيم ساقت المقادير هذا الرئيس الخطير لهاته الجهات التي منظرها جميل زاهر وعمرانها في تزايد باهر حافلة كالعروس آهلة بنحو الثلاثة عشر مليوناً من النفوس ووصل القطر التونسي الذي لا يقل سكانه عن المليونين في غرة رمضان الموافق للرابع والعشرين من أبريل سنة ١٣٤٠هـ موافق ١٩٢٢م ولقي من الإقبال فوق ما يقال. وما حصل له في هاته الرحلة لو تتبع لملأ مجلداً ضخماً. وفي يوم الاثنين السادس عشر من ذي القعدة وفي ١٠ يولية من السنة انتقل إلى رحمة الله هذا الأمير المحبوب فكان انتقاله روح الله روحه من أعظم الرزايا وأشد البلايا، كان كريم الأخلاق والسجايا، سخياً كثير العطايا، عادلاً محباً للرعايا، سائلاً عن أحوالهم ميالاً لإجابة مطالبهم وسماع أقوالهم. محباً لدولة فرنسا، وهو أول مساعد لها ومعاضد على تجنيد العساكر التونسية لاحتلالها المغرب الأقصى وخصوصاً في الحرب الكبرى فإنه عاضدها بما عنده من النفس والنفيس ووقع الاعتراف له بهذا الفضل. نقلت جريدة الزهرة في عددها ٦٤٨٦ المؤرخ في التاسع عشر من ذي القعدة المذكور ما نصه: ورد في رسالة برقية من باريس أن صحف العاصمة الفرنسوية برزت طافحة بالثناء على حضرة سيدنا محمد الناصر باي الذي كان معيناً صادقاً لفرنسا في أصعب الظروف وأشدها عليها، وقد ذكرت جريدة الجورنال أن باريس كانت استقبلت الباي المتوفى بمزيد الحفاوة والانعطاف. ثم قالت: إنه قام بوظيفته على غاية ما يرام، حتى إذا جاءت ساعة الخطر العظيم نهضت المملكة التونسية جمعاء للدفاع عن فرنسا المتهددة فجهزت خمساً وستين ألف مقاتل وثلاثين ألف شغال وتكبدت خسائر لا تقل عن خمس وأربعين ألفاً بين قتيل وجريح فهذه قائمة يمكن أن يفتخر بها قوم لا يكاد يبلغ عدد الرجال القادرين منهم على حمل السلاح ثلاثمائة ألف. انتهى.