للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلها، ثم استمر الحال على ذلك إلى أن آل أمر القصر والأراضي التابعة له إلى ما رأيت في السؤال الوارد على الإمام المازري ثم استمر تزايد بناء الدور والعمران إلى أن صارت مدينة مسورة بسور وذلك أواسط المائة السابعة ثم آل الأمر إلى ما رأيت في حكايته الإمام البرزلي، وفي أوائل المائة التاسعة كان شيخ القصر أبا عبد الله محمد بن أبي زيد المترجم له في الطبقة السابعة عشر وكان به من التلامذة ما يزيد على المائة رحلوا إليه من الآفاق وكل مَن حلّ به يجد مسكناً يأوي إليه ومعلماً يؤدبه ويعلمه القرآن والعلوم الدينية ويجد ما يلزم من أمر المعيشة وهي أمور تعين على طلب العلم ولا يخفى أن أكبر الأعوان وأهمها فراغ البال من أمر المعيشة وكانت الاْرزاق تأتي إليهم وإلى من به من المرابطين من أوقافه ومن جهات إفريقية كقفصة ونفزاوة وقابس والجزيرة والقيروان وغيرها ثم قام ابنه أحمد واستمر الحال على ذلك إلى أن استولى عليه الإسبان أواسط المائة العاشرة فهدم منه جانباً بعد ما قتل وأسر مَن لا يعد كثرة نقل ذلك الشيخ عظوم في أجوبته ثم أصلحه وأصلح المنار الذي به، وقيل هو الذي أسسه ثم أفتكه منه الترك وصار أمره إلى الانحلال والتقهقر تحت نظر حفدة الشيخ ابن أبي زيد إلى أوائل القرن الثالث عشر صيره الأمير حمودة باشا معقلاً حربياً ونقل الطلبة الذين به لزاوية سيدي ذويب المتقدم الذكر وأجرى على عشرة منهم النفقة من أوقاف زاوية الشيخ أحمد بن أبي زيد المذكور وجعل لهم مؤدباً يعلّم القرآن ومدرّساً يقرىء مبادئ العلوم الدينية جرايتهما من الأوقاف المذكورة ونظرهم لقاضي المكان، ثم إن الباشا حسين بن محمود باي جعل به سنة ١٢٤٦هـ العساكر النظامية وشحنه بآلات الحرب، وفي أيام المشير أحمد باشا كان به من العساكر النظامية نحو ثلاثة آلاف واستمر الحال على ذلك إلى أن نصبت فرنسا حمايتها على الإيالة التونسية سنة ١٢٩٨هـ فأزالت ما به من الذخائر وآلات الحرب حيث صارت غير صالحة للدفاع وأغلقته واستولى عليه الخراب واعتبرته وأسوار المدينة الحكومة من الآثار العتيقة وصدر أمرها بالمحافظة عليها تحت نظر جمعية الأوقاف والإدارة الحربية. ولما قامت الحرب الكبرى المشار لها آخر التتمة وقع إسكان جماعة به من أسارى الألمان وتسخيرهم لإصلاح الخراب الذي به وأقاموا به أشهراً ثم نقلوا وسكن به طائفة من جالية دولة الروسيا عند استيلاء جمهورية السوفيات على بلاد القريم مع طائفة من عساكر الاحتلال ثم خرجوا وبقيت به العساكر إلى هذا الوقت، والحاصل أن القصر إلى هذا العهد آثاره تدل على أنه كان في العهد القديم آية دالة على عظمة العرب خالدة إلى الآن.

تلك آثارن تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار

<<  <  ج: ص:  >  >>