عنها حتى يعيدها قال: فاجتمع أهل البلد عند ذلك إلى المؤدب محرز وقالوا: يا ولي الله قد بلغك ما قاله باديس فادع الله أن يزيل عنا بأسه فرفع يديه إلى السماء وقال: يا رب باديس أكفنا باديس. فهلك في ليلته بالذبحة. انتهى.
قلت: لعل المؤدب محرز كان في تلك الأيام بطرابلس وإلا فهو من أهل تونس وسكانها وهي بعيدة عن طرابلس مسيرة نحو عشرة أيام والذي في المؤنس أنه توفي بالمغرب في قتال زناتة تأمل. وباديس ووالده وجده مدفنهم صبرة وملوك هذا البيت مرت ترجمتهم في التتمة وكان المعز بن باديس يعظم الشيخ محرز بن خلف ويكاتبه من ذلك كتابٌ فاتحته: هذا ظهير كريم من القائم الناصر لدين الله المعز بن باديس إلى الشيخ الصالح الكبير القدر محرز بن خلف إلى آخره وكانت بينه وبين باديس مكاتبات وقد مر قريباً الإشارة إلى ذلك وسترى ما يؤيد ما ذكرناه. انتهى ما قصدناه وتم بفضل الله ما أثبتناه بعدما استعنت به في الإسعاد والإسعاد واستجرت به نعم المجير في المبدأ والمعاد وأنجر الحديث وهو شجون يجر بعضه بعضاً إلى الشيخ محرز فخر الإِسلام ومعتقد الخاص والعام ناسب أن نختم هاته الشجرة وختامها مسك بذكر البعض من فضيلته والمرجو من الله الحصول على شيء من بركة من ذكرناه بالشجرة وبركته ومعلوم أنه عند ذكر مثل أولئك السادات تنزل الرحمات والمرجو أيضاً إنزال رحمته ودوام نعمته وإليك ترجمته ومحرز هو أبو محفوظ محرز بن خلف بن رزين بن يربوع بن حنظلة بن إسماعيل بن عبد الرحمن ابن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وأفاض علينا من أنوارهم وكسانا بعض حلل أسرارهم الشيخ المعتقد المشهور لدى الخاصة والجمهور بالعلم والعمل والفضل المؤدب المربي العارف بالله الواصل الولي الكامل الكثير الكرامات والمناقب والحسنات كانت له اليد البيضاء في إعزاز السنة وإخماد البدع مع الدين المتين والزهد والورع نفعه الله بنيته وتغمده برحمته. كان مجلسه مجلس وعظ مع كرم أخلاق وحلم يقول الشعر ويجيده وكان في ابتداء أمره يسكن بالمرسى لا يألفه إلا أصحابه فلما سكن تونس انبسط للفقراء والغرباء حتى كثر أتباعه فصار منهم من يصافحه ومن لم يصل إليه فيلتمس أثوابه بيده ويمسح بها على وجهه. أخذ عن واصل بن عبد الله القيرواني المشهور بالعلم والصلاح وروى عن أبي إسحاق الدينوري وكتب إليه أبو بكر الأبهري وروى عنه حاتم الطرابلسي ومن لا يعد كثرة وكانت وفاته سنة ٤١٣ هـ وقد ناف عن السبعين وضريحه بتونس عليه بناء غاية في الاحتفال والدعاء عنده مجرب الإجابة وهو الذي دعا أبا محمد عبد الله بن أبي زيد لتأليف ما يجب تعليمه لأبناء المسلمين وأجاب دعوته وألّف الرسالة وإليه الإشارة