وهكذا يتلفت لفظ (أتى) على مسرح هذه التراكيب وفي مناحيها ليطلب لنفسه المعنى الذي يناسبه ويستسيغه، ويُجلي عن خفي معناه.
لنستعرض بعض أقوال المفسرين:
قوله تعالى:(أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ): تضمن إتيان السحر معنى اتباعه كما ذكر الجلالين أو حضوره كما ذكر الزمخشري أو قبوله كما ذكر الطبري، والبروسوي.
اقول: إن فقدان الشعور بالمسؤولية يجعل حياة الأمة فارغة مريضة، تسيطر عليها روح الاستهتار، فتلهو في مواقع الجد، وتهزل في مواطن الخطر، يصفون القرآن بالسحر والشعر وأضغاث أحلام، فيقول الظالمون منهم:(أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ). إنها صورة شائهة تستحيل فيها الحياة إلى حالة من الانحلال لا تصلح لأداء واجب أو قيام بتكليف، يلجؤون إلى مقاومة تأثير الرسول بأنه بشر فكيف تؤمنون لبشر؟ وإنما جاء به السحر فكيف تتبعونه أو تقبلونه وفيكم عيون تبصر؟! وهكذا من طلب المعنى من وراء اللفظ معزولا عن نظمه وحصر (الإتيان) بمعنى (المجيء) وقصره على معناه المعجمي، كان كمن أزال الشيء عن جهته وأحاله عن طبيعته وفتح أبواب الشَّين على نفسه، وإنَّمَا اللفظ في العربية طبيعة تعمل في طبيعة، وليست ألفاظا عمياء تتوجه بطبيعة غير مدركة، وحين خفي على بعضهم هذا، قالوا؛ الإتيان معناه المجيء وحسب، ولعمري إنه في اللغة كما ذكروا غير أنه في هذا الموضع لا يُراد به ما ذكروا.
نعم تختلف دلالة اللفظ حسب سياقه الذي ينتظم فيه، وموقعه والقرينة التي توجه مساره، فتضمين (أتى) معنى (اتبع) كما أشار الجلالين، أو معنى