قال الزمخشري: أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته، ونصب الأدلة لكم على توحيده.
أما أبو حيان: فضمنها (أوجب) وقيل: (قضى وأنفذ)، وقيل (وعد)، وقيل:(أخبر).
وضمنها الجمل: قضى وأوجب إيجاب تفضل، لا أنه مستحق عليه تعالى.
أقول: حين تعدى الفعل (كتب) بغير حرفه، تكون هذه الحروف مفاتيح أقفالها، لا تُدافع أبوابها إلا بمقدار ما تُدفع. فلفظ الفعل مرتبط بعلم صاحب القلم حين كتب. موصول بصفاته حين سطَّر على نفسه، وخطَّه في كتابه فوق العرش:" رحمتي سبقت غضبي " وفي رواية: " غلبتْ " كما روى الشيخان.
فمدلول اللفظ مرتبط بمراد صاحبه - ولا نهاية للإحاطة بمراده سبحانه - بل هو مفتاح كنوزه، ومن هنا لا أجنح إلى تقييده عند تضمينه لئلا أحدّه بحدود، أو أضع في يديه القيود، ليبقى مصدر إشعاع يسدّ حاجة كل ذي حاجة من المفسرين. وإنما أُشارفه على طَرَفِ من الُملامحة فأقول: كتبها بإرادته وأنفذها بمشيئته، وقضاها على نفسه لا يوجبها عليه موجب، ولم يقترحها عليه مُقترح، وإنما إرادته الطليقة وربوبيته السمحاء، تفضل البارئ أنْ جعل رحمته مكتوبة عليه، خطها هو على نفسه، وجعلها عهدا منه لعباده، بمحض إرادته ومطلق مشيئته، رحمة تملأ القلب بالرجاء، بالأمل، بالدهش، بالعجب، بالراحة والسرور.