وليس المشاكلة اللفظية في تعدية الذلة بـ (على) مقابل تعدية العز بها، ولا من باب التقديم والتأخير، ولا من باب حمل النقيض على النقيض. وإنما معناه: فسوف يأتي اللَّه بقوم أحنة على المؤمنين، حَدِبين عليهم، مشفقين عاطفين.
وآثر الأسلوب الحكيم أذلة على أحنة وأحدبة لإغراء المؤمنين بالاتصاف بها دون سواها لما فيها من نسيان الذات وغياب الأنا، مع اللين واليسر والسماحة والود. إنها أُخوة ترفع الحواجز وتزيل الكُلف وتُصفِّي النفوس، ذلة ليس فيها مَهانة، ذلة ليس معها حساسية بالذات تجعله عصياً على أخيه.
أرأيت التضمين ما أذهبه في مسارح النظر! وغرضه الفحص عن حقائق التأويل، ليوقفنا على أسرار التنزيل فيزيل اللبْس - حين يتعدى الفعل بغير حرفه - مُفتقاً عن أكمام إعجازه جانياً من قطوف ثمراته.
حكى الزمخشري: في اجتماع الهمزة والباء على التعدية نظر لأنهما متعاقبتان وهو الذي اقتضى قوله: فعلوا الإذاعة، ليخرجها عن الباء المُعَاقِبة للهمزة وهو أبلغ من أذاعوه. وقال القرطبي: أفشوه وأظهروه قبل أن يقفوا على حقيقته لكن ما فائدة الباء إن جاءت مزيدة؟! قيل: الباء زائدة نقل ذلك