أقول: ولعل تضمين (نظر) معنى (غضَّ) المتعدي بـ (مِن) يكشف لنا عن سر استبدال الحرف، ويصرفنا عن القول بالتعاور والتناوب، ويصور لنا ذلهم يوم العرض فطرفهم كسير، مشفقون من ذل الموقف، غضيض طرفهم، خاشعون من الذل، مطرقون من الخوف مع اليأس مما ينتظرهم من ألوان العذاب الأليم ومن سوء المصير.
كانوا هم الطغاة البغاة، فتهاوت كبرياؤهم، وانهارت قواهم من رؤية جهنم، خاشعين لا من حياء وخجل بل من ذلة وهوان. فـ (مِنْ) هذه هي التي صرفت النظر من معنى الحياء: ينظرون بطرف خفي، إلى الغضاضة، معنى الذل والهوان (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) يفضون صورة شاخصة قميئة،
توحي باليأس والانهيار مع التطلع إلى أي بارقةٍ للخلاص، ساعةً تلاشى عندها الزمن كشف التضمين عن قباحتها في الطرف الغضيض الذليل الكسير والنظر الحسير.
قال أبو حيان: تضمَّن (أنعم) معنى (التفضيل). لأن الأصل أن يصل إلى المفعول بنفسه، وأنعمت عينَه: أي سررتها. وأنعم عليه: بالغ في التفضل عليه والهمزة في (أنعم) تجعل الشيء مصاحبا لما صيغ منه إلا أنه