لأنهم يلقون الراحة في الإيواء إليهم بدليل قولهم (إِنَّا مَعَكُم) فخُلوّهم إلى شياطينهم يجدون السكينة في معيتهم، ويبقى التضمين صاحب فضل بتأليق المعنى في صورة تستهوي القارئ الفطِن، وتستولي على النفس الزكية. فلولا (إلى) هذه لما انكشفت لنا خِسة المنافق وقذارة نفسه الدنية، بلقائه العابر والخاطف بالمؤمنين واستكانته وراحته وخلوصه إلى شياطين الإنس من الكافرين.
المؤمن يتصرف في النور والمنافق حريص على العَتَمَة، يتصرف خفاءً لئلا يراه أحد يهْتبل خلوةَ لِيَضْوى إلى شياطينه يَخلُص إليهم، وتسكن روحه وتطمئن وبهذا يُخفى قبحه ويستر جريمته، لأن أحداً لا يرضى عن عمله ... أرأيت كم في (إلى) مع فعل (خلا) من إعجاز! إنه التضمين وإنه لكنز دفين، يومئ ولا يُبيح، يُلمح ولا يُصرح، يُكِنُ ولا يُعْلِن، يُخافت ولا يجهر.