قال الآلوسي: ذكر النحاس: صنعت الفرس أحسنت القيام عليه وقال قتادة: تُصنع على عيني: تربى وتغذى على رعايتي وحفظي وإرادتي ومرأى مني، وهو اختيار أبي عبيدة وابن الأنباري. وزعم الواحدي أنه الصحيح، ويحتمل أن تكون لام (كي) سُكنت تخفيفا ولم يظهر فتح العين للإدغام. قال الخفاجي: وهذا حسن جدا. والعين مجاز مرسل أطلق السبب (العين) على المسبب (الرعاية).
أقول: مقام رفيع ومرتبة عالية، قوى جبارة وطاغية تتربص بالرضيع فتضمن (صنع) معنى (أحال) والمتعدي بـ (على)، وهو أظهرُ للمعنى وأكشف للمراد من (ربَّى وغذَّى) فليست الصناعة تغذية وحسب. تقول: أحلت عليه الأمر جعلته مقصورا عليه في جميع شؤونه، فاللَّه أحال الرضيع على رعايته، وقصر أمر تَنشِئته على عنايته وحراسته وتحت بصره، فيربى على حالِ أمنٍ وظهورٍ من الرحمة والشفقة والليان، لا تحت خوف واستسرارٍ وطغيان. فلقد سبقت محبة اللَّه صناعته الفريدة على مدى حياة موسى حين أحاله على عينه، وقصره على رعايته وجعله تحت بصره لا يغيب عنه ليكون درعا تتكسر عليه سهام البغي والشر والعدوان. فجمع التضمين المعنيين: التربية في هذه الصناعة والإحالة.
مقام رفيع لموسى عليه السلام كما قلت، وأرفع منه ما منحه لسيد الرسل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا). إنه تعبير فريد في القرآن كله لم يُوجَّه إلى نبي