للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا) (١).

ذكر العز بن عبد السلام: أي فكذبوا بها ظالمين، فضمن (فظلموا) معنى (كذبوا أو معنى كفروا) لإفادة المعنيين. وقال القرطبي: فظلموا أي كفروا ولم يصدقوا.

وقال الآلوسي: فظلموا بها والظلم يتعدى بنفسه لا بالباء إلا أنه لما كان هو والكفر من واد واحد عدي تعديته أو بمعنى الكفر مجازا وتضمينا أو هو مضمن معنى التكذيب أي ظلموا كافرين بها أو مكذبين بها. وقول بعضهم: إن المعنى كفروا بها مكان الإيمان الذي هو من حقها لوضوحها، ظاهر في التضمين.

قال أبو حيان: وتعدية ظلموا بالباء إما على سبيل التضمين بمعنى كفروا بها وإما أن تكون الباء سببية أي ظلموا أنفسهم بسببها. وقال الأصم: ظلموا تلك النعم بأن استعانوا بها على معصية الله.

أقول: العربية مرنة سمحاء يتسع اللفظ فيها لحاجات كثيرة. لقد تضمن (الظلم) معنى (الكفر) فعدي تعديته، والكفر من أقبح الظلم وأشنعه وأسلوب القرآن يكرر من كلمة الظلم ويضمنها معنى الكفر، والكفرة يظلمون الحقيقة الكبرى في هذا الوجود ... حقيقة التوحيد.

يظلمون أنفسهم في رميها في موارد الهلكة في الدنيا والآخرة ... ويظلمون الناس في عبودية الأرباب والطواغيت ويخدعونهم ... وما تحرر الإنسان واستقام إلا في ظل عبوديته لله وحده. عقيدة، وعبادة، وشريعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>