أقول: تضمن (ظلم) معنى (خان وختل وخدع) وهذه تتعدى بالباء لأن نفوسهم الظالمة خدعتهم فالقرآن معجزة الإسلام الباقية إلى يوم القيامة يخاطب الفكر والقلب ويلبي الفطرة. أما المعجزة المادية فتقتصر على من يشاهدها. فثمود الذين طلبوا آية جاءتهم الناقة وفق طلبهم ولكنهم جحدوا بها فأوردوا أنفسهم موارد الهلكة تصديقا لوعد اللَّه بإهلاك المكذبين بعد مجيء الخوارق والمعجزات، وقد رأوا المعجزة الباهرة في الناقة المبصرة.
لقد جمع التضمين الظلم إلى الجحد، والتكذيب إلى الخيانة والختْل والخدْع في هذه الباء، ظلموا أنفسهم فخسروها وجحدوا بآية مرئية فأنكروها، وكذبوا بآية حسية وختلوا وخدعوا وخانوا فاستحقوا وقوع العذاب. وبهذا جمع التضمين هذا الشتات فأوعى.
إنه التضمين يكشف عن طبيعة الصنعة في هذه اللغة الشريفة، وعن الغرض من إبدال هذه الحروف، والإشعاع المنير الذي يستضيء به الفعل حين يمسه حرف لا يألفه ولا يأنس به فإذا له خيال مشبوب كأنما كسبت روحه قوة، وشبَّت في نفسه شبابا يزيد في معناه، ويتفتح عن رصيده المذخور، وإيحائه المُتجدد.