ذكر أبو حيان: أن الجملة الاستفهامية في موضع نصب لـ (أُنَبِّئُكُمْ)، لأنه معلق بمعنى: أعلمكم، سدت مسد المفعول الثاني والثالث. الأصل في نبأ وأنبأ أن يتعديا إلى واحد بأنفسهما وإلى ثان بحرف الجر، ويجوز حذفه فنقول: نبأت به ونبأنيه، فإذا ضمنت معنى (أعلم) تعدت إلى ثلاثة مفاعيل.
ومجمل القول: يختص التضمين عن غيره من المعديات بأنه قد ينقل الفعل إلى أكثر من درجة. عُدي أخبر وخبَّر وحدَّث ونبَّأ إلى ثلاثة، لما ضمن معنى أعلم وأرى، بعدما كان متعديا إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بالجار نحو (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ).
أقول: تضمن (نبَّأ) معنى (أعلم). إنما جيء به لغرض: لقد كان في العرب كهان يتنبؤون، يزعمون أن الجن تخبرهم، وفي الناس من يركن إلى نبوءاتهم ويصدقهم، يقولون عن القرآن شعر وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شاعر، يحارون في وصف ما أنزل وقد هز مشاعرهم وغلب على قلوبهم فلم يروا له نظيرا. فاللَّه ينبئهم بما أرابهم فيه كهنتهم، بل يعلمهم حقيقة هذا الدين وأنه يدعو إلى عقيدة ذات منهج، فلا يعيش على رؤى ولا يسير وراء أوهام، ولا يقنع بأحلام، ولا يتبع الهوى.
فالغرض من التضمين هو توثيق النبأ، فما كل نبأ صحيح أما العلم فلا يكون إلا عن يقين.
أرأيت لم اختار العليم الحكيم لفظ (نبأ) بدلا من (أعلم)؟!.
إنه التضمين يكشف عن أسرار التنزيل، وإنها اللغة في إعجازها البياني،