وذكر الآلوسي: فألبثه مائة عام ولا بد من اعتبار هذا التضمين، لأن الإماتة بمعنى إخراج الروح وسلب الحياة مما لا يتعدى.
أقول: صورة الخُواء (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) تنعكس في حس الشاك في أمر البعث فيسأل (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) ويأتيه الجواب في تجربة حسية: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) ويُسأل بعدها (كَمْ لَبِثْتَ) ويجيب: (يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
جواب محدود الإدراك لتجربة محدودة الوسائل.
إن حقيقة الموت والحياة يُعنى بها القرآن أشدَّ العناية لتتعلق ضمائر المؤمنين باللَّه مباشرة. وهذا ما انتهى إليه السائل (أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). إنه جواب الفطرة: تترك الغيب المحجوب لعلام الغيوب.
فالتضمين يكشف عن السر المكنون في دبيب الحياة في مشهد البلى والخواء في قوله: فأماته ... ثم بعثه.
ألبثه ميتا ... ثم أحياه بتجرية عملية بعيدة عن المنطق العقلي والأسلوب الجدلي.
فللَّه عاقبة التضمين! يجعل الفعل اللازم متعديا والمتعدي لازما، يغدو من البيان في حلل ويروح في حلل، دليله غير مدفوع، يحتاج إلى تأمل، ليُزيل القبْس، ويهدي السبيل، فارفقْ به يُمطك غاربُه، وإن تورطته أوعرتْ بك سُبُلُه.