ذهب ابن جني: في تعريفه للغة أنها أصوات يُعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم.
هذا التعريف يصلح لدور نشوء اللغة، أما بعد اكتمالها فقد صارت جزءا من تفكير أصحابها، واكتسبت مع الزمن صفة أسمى وأرقى من مجرد الرمزية، لأنها اتصلت بخواطر الناس وعقائدهم ومشاعرهم.
فاللغة التي ينشأ فيها الفرد ويرضع لبانها ويحيط بأسرار أساليهها وعجائب تصاريفها على مر الزمن، حتى تصير ألفاظها وتراكيبها الموروثة حاملة من كل جيل بصماتِه، ومظهَر سلوكه، وملامحَ شخصيته، وتصبح بوضوحها وشمولها وعاءً لمعارفه ينتمي إليها بعقله وقلبه وخياله يحفظها من الضياع خوفاً من أن يفقد شخصيته حين يفقدها، وإذا كان لكل أمة حضارة مبنّية على لغتها وثقافتها، فكل اختلال يعرض لهذه الحضارة يكون نتيجة غياب لغتها عن التداول، أو قلة الاحتفال بها، فتضعف سيطرتها عليهم، إذ هي الرَّحِم بينهم، ويكون ذلك إيذانا بأنهيار حضارتهم أو سقوطها. وبين الإحاطة باللغة والقصور عنها، مزالق ومخاطر تستوجب الحذر، تضل عنها العقول، فتنقلب المعاني مُشوهة الصورة، فلا يتبين صحيحها من مزيفها، ولا صوابها