قال أبو السعود: فإن تعلُّق كلمة (مِنْ) بالإنذار مع كون صلته الباء بتضمينه معنى [الفرار]. يقال: فرَّ منه أي هرب، وفيه تأكيد لما قبله من الفرار من العقاب إليه تعالى لكن لا بطريق التكرير كما قيل: بل بالنهي عن سببه.
أقول: أنذر يتعدى بنفسه وبالباء فحين تعدى بـ (مِن) فقد تضمَّن معنى (النجاة) فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - منذر، نِذارته نجاة، والصلة (لكم) متعلقة بمبين والبيان أول سبيل النجاة وأخص أسبابها. وقول رسولنا الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك " يعني أن النجاة منه إنما في الفرار إليه وهذا تأكيد لما أومأ إليه أبو السعود وعقد الغرض عليه قَالَ تَعَالَى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) فالرسول صلوات اللَّه عليه مُنج منه أي من عذابه بالتبيين لكل أسباب النجاة .. وهندسة الصوت في التنسيق الفني في القرآن الكريم أن يرد النظم في تقديم ما حقه التأخير ليحدث موجاتٍ صوتية توقع على أوتار القلب ترتيلا وتنغيما لا يحدثه أي ترتيب آخر. ولا يقع في وهم أحد أن يوازيه أو يدانيه في هذا النظم البديع فلو قلت: إني مبين لكم نذير منه، لأحدث اضطرابا في موسيقاه ونشاذا في تنغيمه الصوتي تضطرب معه النفس وتتأذى منه الأذن. فـ (مِنْ) هذه هي التي لوَّحت لنا بغرض النجاة ليستضيء به المنذرون ويتنبهوا على أسبابه.
فاحرص على تحصيل أسرار هذه الحروف ليتسع بك التصرف فيها