(أنذر) يتعدى بنفسه وبالباء، فإذا تعدى باللام فقد تضمنت النِّذارة معنى النصح والتبيين، والمتعدي باللام وبذلك يجمع التضمين معنى النِّذارة مع النصيحة والبيان وهل يكون إنذار إلا ويسبقه بيان؟.
ثم جاءت الذكرى بعد مصارع المنذرين. فالرسل تذكر بما سبق لها من بيان وتبيين، وإبلاغ وتحذير. فالإنذار وهو مقدمة الهلاك، شاءت رحمته ألا يهلك قرية حتى يبعث فيها رسولا. فالرسل ذكرى تنبه الغافلين وتوقظ النائمين، وما كنا ظالمين حين نوقع العذاب ونهلكهم أجمعين، لأنهم انحرفوا عن الفطرة، أُنذروا .... فأنى يبصرون! فما جاءت اللام مع النِّذراة إلا كالمنبهة على هذا المعنى الشريف (النصح) لتحصيله والإبانة عنه وتصويره. قال تعالى:(لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي أعذرت إليكم في النصيحة والتحذير.
فكما أن النذارة تخويف وتحذير، كذلك النصيحة هنا إبلاغ وتبيين ومن ورائه التحذير الذي لا وَعْيَ عنه. فالمضمّن فيه أخذ معنى من معاني صاحبه المضمّن. والفضل في تصوير معنى البيان في الإنذار وتأليقه كان لهذه اللام حين أمست مشتقا لا يألفها ولا يأنس بها، ولولا تعديه بها لبقي ما انطوى عليه من النصح دفينا واستولى الخفاء على جملته.