للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ).

(ترك) متعدٍ إلى واحد لأنه بمعنى التخلية، ولو ضُمن معنى صيَّر لتعدى إلى اثنين ثانيهما وراء ظهوركم. قاله الجمل: أي صيرتم ما منحناكموه من المال والخول وراء ظهوركم. وضمنه الراغب: جعلتم ما منحناكموه وراء ظهوركم. وقال الآلوسي: وهو متضمن للتوبيخ، أي شُغلتم به عن الآخرة، فما قدمتم منه شيئا لأنفسكم.

أقول: مشهد رعيب، مرهوبة إيحاءاته يهز القلوب، جاؤوا ربهم كما ولدتهم أمهاتهم، عراة حفاة غُرلاً فأين إذاً المال والخول والأهل والولد والعز والسلطان؟! ندَّ كلُّ شيء وتفرق كل أحد، لقد تركوه خلفهم، وجعلوه وراء ظهورهم فصار حسراتٍ عليهم. (ترك) الذي بمعنى (ودع) والمتعدي لواحد صار هنا في هذا السياق من أفعال التحويل (رد) متعدٍ لاثنين: ورَدَدْتم ما خولناكم وراء ظهوركم، وهكذا يجعل التضمين الفعل المتعدي لمفعول واحد متعديا إلى اثنين، ليكون أذهب في مسارح النظر، يأخذ الناظر فيه إلى أنحائه ومصارفه، فيروق ماؤه وُيؤنس بوجهه.

وهذا باب واسع يدعوك إلى الأنس به، ويكون تعريجك عليه مرقاة إلى تدبره، وله في القلب منافذ لأشعته الروحانية تتساقط منها معانيه.

وهذا البيان بريد الفؤاد ... لسان المقال على درَرِه

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>