للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَال تعالى: (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ) (١).

ذكر الراغب: المرية: التردد في الأمر وهو أخص من الشك (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ). والامتراء والمماراة: المحاجة فيما فيه مرية (قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) وقَالَ تَعَالَى: (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) وقال: (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ) وأصله من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحَلبِ. وجاء في قاموس القرآن فلا تمار فيهم يعني لا تجادل.

وقال الطبري: كذبوا بإنذاره شكًّا منهم فيه. قال أهل التأويل: تماروا بالنذر لم يصدقوه. وذكر القرطبي: شكوا فيما أنذرهم الرسول وهو تفاعل من المرية، وقال الآلوسي: الفعل مضمن معنى التكذيب ولولاه تعدى بفي. وذكر البروسوي: ضمن معنى التكذيب فعدي. من المرية وأصله تماروا على وزن تفاعلوا.

وأتساءل: لم عدل سبحانه عن التكذيب والمتعدي بالباء إلى (المماراة) والمتعدي بـ (في)؟ وهذه تحتمل التكذيب كما تحتمل المجادلة، وهي أقوى من الشك. لقد حذرهم لوط عليه السلام وأنذرهم عاقبة الشذوذ الملوث القدر حين راودوه عن ضيوفه من غير استحياء، ولا تحرّج من حرمة نبيهم. فشكوا في نذارته وارتابوا فيما بينهم، وجادلوا نبيهم فتدخلت يد القدرة (فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) فكان العمى هو النذير.

<<  <  ج: ص:  >  >>