للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرار حين تعدى بغير حرفه المعتاد وحملناه على حقيقته من غير دل إلى المجاز. إنها صورة حسية تشخص حالتهم النفسية، وقد أظلمت عليهم نفوسهم، ودُمِّرت عليهم ديارهم، فهم من بأس النازلة وهولها يضطربون كالفئران في المصيدة، حركات عشوائية بلا تفكير ولا شعور، يطلبون سبيل النجاة. فالركض على سعته وتناشره، اغترق جميع مداليله.

إنها الهزيمة من باس الله وعذابه، وإنه الدمار يحل بالقرى الظالم أهلها، وحسبوا أن الركض ينجيهم من العذاب، والهرب والفرار يخلصهم من الدمار، وأنهم أسرع من إدراكه لهم، ولكنها الغفلة. ثم تلسعهم لذعة التهكم المرير: (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ). وعندها يستحسرون .... يا ويلنا! إنا كنا ظالمين ..... ولات ساعة مَندم.

* * *

قَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) (٣).

رجّح العكبري: (غير تخسير) الأقوى في المعنى أن يكون (غير) هنا استثناء في المعنى وهو مفعول ثانٍ لتزيدونني أي: فما تزيدونني إلا تخسيرا.

ويضعف أن تكون صفة لمحذوف في تزيدونني شيئا غير تخسير وهو ضد المعنى.

أما أبو السعود فقال: (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي) إذاً باستتباعكم إياي أي لا تفيدونني - إذ لم يكن فيه أصل الخسران حتى يزيدوه منه - غير تخسير أي تجعلونني خاسرا بإبطال أعمالي

<<  <  ج: ص:  >  >>