وما دامت اللغة وسيلة مساعدة على تكييف السلوك وضبطه، فقد لجأ يعقوب عليه السلام إلى التعريض دون التصريح، وعلى طرفٍ من المُلامحة، لئلا يفجأ حس يوسف بما عليه إخوته من إضمار السوء له مع الحسد والبغضاء فقال:(لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) من قَتل أو تشريد أو إلقاء في الجب أو ... وإذاً فليأخذ حذره من كل حيلة.
وأخيراً لم قال: فيكيدوا ولم يقل: فيسيئوا؟ الكيد كما قلت: إرادة السوء في خفاء، وأخوة يوسف كانوا من اللباقة وحسن المعاشرة ما يمنعهم من إظهار الإساءة لأخيهم فكيف يقول فيسيئوا!
ذكر الزركشي: لا تقل (على) بمعنى (مِنْ) وإنَّمَا يضمن (اكتالوا) تحكموا في الاكتيال، كِلت لزيد ووزنت له: مفعولهما غير زيد لأن مطلوبهما ما يكال أو يوزن، فالأصل دخول اللام. ثم قد تحذف لزيادة فائدة لأن كيل الطعام ووزنه يتضمَّن معنى المبايعة والمقارضة مع حرف اللام. فإن قلت: كلت لزيد أخبرت بكيل الطعام خاصة. وإذا قلت: كلت زيدا فقد أخبرت بمعاملته ومبايعته مع الكيل، كأنَّك قلت: بايعته بالكيل والوزن. قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي بايعوهم كيلا ووزنا وأما قوله اكتالوا على الناس فإنما دخلت (على) لتؤذن أن الكيل على البائع للمشتري. ودخلت التاء في (اكتالوا) لأن افتعل في هذا الباب كله للأخذ، فزيادة الحروف تؤذن بزيادة المعنى.