للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) (١).

ذكر القرطبي: ويجوز أن يكون (خلقه) مفعولا ثانياً لـ أحسن على تضمينه معنى (أعطى) وذكر الآلوسي: وقيل هو مفعول ثان لأحسن على تضمينه معنى أعطى. أعطى سبحانه كل شيء خلقه اللائق به بطريق الإحسان والتفضل. وقيل: (خلْقه) المفعول الأول، (وكل شيء) المفعول الثاني على تضمين الإحسان معنى الإلهام كما قال الفراء، أو التعريف كما قاله أبو البقاء والمعنى ألهم أو عرَّف خلقه كل شيء مما يحتاجون إليه فيؤول إلى قوله تعالى: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) واختار أبو علي في الحجة ما ذكره سيبويه في الكتاب أنه مفعول مطلق لـ أحسن من معناه. وفي الجلالين: بفتح اللام (خلقه) فعل ماض: صفة وبسكونها (خلْقه) بدل اشتمال.

أقول: في ظل مشهد النشأة الأولى نلمح هذا الفيض من الفضل العظيم الذي أودع كل شيء خصائصه وصفاته ووظائفه واستعداداته. من الذرة إلى أكبر الأجرام، ومن الخلية إلى أعقد الأجسام، يتجلى الإحسان والإنعام. كل شيء في هذا الوجود مزود بخصائص تؤهله لأداء دروه من إنسان أو حيوان أو فَلَك سابح في الكائنات، متقن الصنع، بديع التكوين، باد فيه الإحسان والإتقان، وما منحه من التناسق والكمال. وها نحن نتملَّى آيات الإحسان والإتقان في كل ما نبصر ونسمع ونحس وندرك في رحلتنا على هذا الكوكب من جمال الصانع الحكيم فيما صنع وأباع ومنح.

إن عنصر الإحسان مقصود في هذه الآية ليتضمن (ما وهب ومنح) من

<<  <  ج: ص:  >  >>