الحطم وجه. والظاهر أنهم أتوا عليه مشاة، كما يحتمل أنهم كانوا في الهواء فأرادوا أن ينزلوا فأحست ملكة النمل بنزولهم فأنذرتهم. وقال الجمل: إن (أتى) يستعمل متعديا بنفسه أو بـ (إلى) والجواب أنه ضمن معنى (مر).
أقول: فتضمين (أتى) معنى (قطع وأنفذ ومر) يجانفه الصواب، ويوقعنا في إلباس. إذ لا معنى لقول مليكة النمل لأتباعها: ادخلوا مساكنكم بعد أن قطع سليمان عليه السلام الوادي مع جنوده وعبره أو اجتازه وانتهى منه. ولا ما قال الجمل (أتوا) معنى (مروا) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ)؛ وإنما تضمن (أتى) معنى (أشفى وأشرف) وهذا يتعدى بـ (على) وعندها يصير لقولها فائدة ومسوغ لصدور الأوامر حرصا على المصلحة، وحفظا للأرواح من أن تُحطم وحتى إذا خشيت على حطم قلوبهن من رؤية ملكه العظيم، يبقى التضمين قائماً في معنى (أشرفوا) والإشراف سبيل الإتيان وأول مراحله وبهذا قد أفدنا من المعنيين جميعا.
ويزيد وضوحا قوله سبحانه:(وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) أي أشرفوا على القرية في طريقهم إلى الشام وأَشفَوا عليها، وهذا مما يستدل به على معناه وينقاد على وتيرته.
إذا اشتبهت على اللفظ المعاني ... يُخبِّر عن دلالته البصيرُ