معرفة الحقيقة حُظوظهم، وتخلفت عن الإحاطة بها خواطرهم، وركبهم جهلٌ في الرأي، وإفحاش في الصنعة، واعتداء على طبيعة هذه اللغة.
أجل .. إنابة حرف عن حرف يتسمَّح المفسرون فيه فيُخلون بغرضه تجاوزاً له أو سهواً عنه فهو مقام زلخ .. تزلّ فيه القدم وإنما تحتاج في التحفّظ منه إلى لطف نظر، وفضل رويّة، وقوة عارضة، وشدة تيقُظ، فإذا لاطفت الغرض من مجيئها، قويت حُجتك في تضمين أفعالها، وذلك أحوط عليك، وأبهر في الصناعة بك، ومن عرف أنس ومن جهل استوحش.
وحتى الذين أجروا التضمين في الفعل لم يشيروا إلى الغاية من ورائه فهذا الزمخشري في كشافه مثلاً في قوله تعالى (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)(١) ضمّن (يضربن) معنى (يلقين ويضعن)، ومثله أبو حيان في بحره ولكنه لم يذكر الغاية من هذا التضمين في استبدال فعل من فعل وهي ثمرة التضمين وفائدته.
في هذه الحروف دقائقُ وأسرارٌ، طريق المعرفة بها الروية، ولطائف يُتوصلُ إليها بطول التأمل، وخصائص ينفرد بها مَن هُدي إليها، وكُشِف له عنها، وبلغ شأواً فيها مع ما تهيأ له من صفاء القريحة، وصحة الطبع، وامتلاك الأداة.
إن إبدالهم حرفاً بحرف في كتاب اللَّه يُخرجُ العبارة من صورتها ومن الذي أُريدت له ويُذهب استطابتها، ويفسد الإمتاع بها والاستملاح لها، فلا تستطيع أن تحدث لهم علماً بها، وفهماً لها، حتى يكونوا مهيئين لإدراكها، ويكون لهم قريحة إذا تصفحوا هذه الحروف، أنِقوا لها، وأخذتْهم أريحية عندها، فإن بدهك موضع منها فلا تعطِ بيدك مع أول خاطر لها، فالطريق