استفهامية، أو بلام الابتداء، أو بحرف النفي، كانت الجملة معلقة عنها الفعل، وكانت في موضع نصب كما لو علقت في موضع المفعولين.
وقال الجمل: الجملة (أيكم أحسن) في محل نصب سدت مسد مفعولي نبلو لأنه في معنى نعلم، وعلق بأي الاستفهامية عن العمل. وقال في سورة الملك: وجملة (أيكم أحسن) مفعول ثانٍ ليجلوكم لما في البلوى من معنى العلم.
أقول: إذاً تضمن (ابتلى) معنى (علم أو رأى) فعدي لمفعولين والسؤال: لم جاء التعبير ليبلوكم ولم يأت ليراكم؟ فأُجيب: الرؤية: هي إدراك المرئي المحسن من المسيء. أما الابتلاء: فهو سَبْر النفس وفَليها بعد تكليفها لكشف حالها في الطاعة أو المعصية، فلا تغفل ولا تلهو ولا يدعها تطمئن أو تستريح، فإذا استيقظ القلب حذر وتوقى. فأعْطي المضمن حكما من أحكام المضمن فيه وهو الرؤية القلبية وفيها معنى الكشف، يرتاد آفاق الكون وخفايا الغيب، لترى يد اللَّه تبعث اليقظة من وراء الابتلاء لإظهار المكنون في علم اللَّه من سلوك البشر وما يستحقون من الجزاء، وهذا أمر هذه سبيله أحببنا استيفاءه تأنسا به، وما خلق الموت والحياة إلا لهذه الرؤية الكاشفة عن سريرة المبتلى.