أنفسهم، وقال الشعبي والضحاك والكلبي:(تصديقا) يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم. وقال ابن جبير وأبو مالك:(تحقيقاً) في دينهم. وقال ابن كيسان:(إخلاصاً وتوطيداً لأنفسهم على طاعة اللَّه). وقال الزجاج:(مقرين) حين ينفقون أنها مما يثيب اللَّه عليها. وقال الشعبي:(عزما)، وقال يمان:(بصيرة).
أقول: مؤمن عمّر الإيمان قلبه فتندى ببشاشته، ينفق ماله ابتغاء رضى مولاه وخوفا من نفسه. لا داعي إذا إلى جعل (مِنْ) بمعنى (اللام) ولا إلى حملها على معنى التبعيض، ولا إلى تعليقها بصفة محذوفة ولا ... ولا .. ، وإنَّمَا تضمن (التثبيت) معنى (الخوف) والمتعدي بـ (مِن) التثبيت على الإنفاق لتطهير النفس من الخوف، من الشح، وتعميق يقينها بالمنعم، وتوثيق صلتها بالواهب المتفضل.
فلو جاء التثبيت متعديا باللام لضاع علينا معنى الخوف من الوقوع في الشح، ولو جاءت الآية: خوفا من أنفسهم من أن تشح أو تبخل لضاع علينا معنى التثبيت. فهذه اللام جمعت: خوف النفس من الشح، وتثبيتها على الطاعة، وهذا من جواهر التضمين أغنى فأثرى. فلا تعطِ يدك بتقارض الحروف، لأنه كثير الإيهام لمن يسمعه ولا حقيقة تحته بل انظر إلى أفعالها كي لا تفسد الإمتاع بها والاستملاح لها.
الكلمة في التضمين حبلى، والرغبة في ولادتها تكثير سواد المعاني يطلبها حسب أغراضه، ولسد حاجاته.